تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٢ - الصفحة ٥٤١
الثلاثة. قال فرجع الحارث فأسلم وحسن إسلامه.
كيف: سؤال عن الأحوال، وهي هنا للتعجيب والتعظيم لكفرهم بعد الإيمان، أي: كيف يستحق الهداية من أتى بما ينافيها بعد التباسه بها ووضوحها؟ فاستبعد حصولها لهم مع شدة الجرائم، كما قال صلى الله عليه وسلم): (كيف تفلح أمة أدمت وجه نبيها)؟.
وقال الزمخشري: كيف يلطف بهم وليسوا من أهل اللطف لما علم الله من تصميمهم على كفرهم؟ انتهى. وهذه نزعة اعتزالية، إذ ليس المعنى عنده: إن الله يخلق الهداية فيهم كما لا يخلق الضلال فيهم، بل هما مخلوقان للعبد.
وقيل: الاستفهام هنا يراد به الجحد، والمعنى: ليس يهدي، ونظيره قول الشاعر:
* فهذي سيوف، يا صدي بن مالك * كثير، ولكن: أين بالسيف ضارب؟
* وقول الآخر:
* كيف نومي على الفراش ولما * يشمل الشام غارة شعواء؟
* والهداية هنا هي إلى الإيمان واتباع الحق، وأبعد من زعم أن المعنى: لا يهديهم إلى الجنة إلا إن تجوز، فأطلق المسبب على السبب، لأن دخول الجنة مسبب عن الإيمان، فيعود إلى القول الأول.
وشهدوا: ظاهره أنه معطوف على قوله كفروا، وبه قال الحوفي، وابن عطية، ورده مكي وقال: لا يجوز عطف: شهدوا، على: كفروا، لفساد المعنى، ولم يبين من أي جهة فساد المعنى، وكأنه توهم الترتيب، فلذلك فسد المعنى عنده وقال ابن عطية: المعنى مفهوم أن الشهادة قبل الكفر، و: الواو، لا ترتب، وأجاز قوم منهم: مكي، والزمخشري: أن يكون معطوفا على: ما في إيمانهم، من معنى الفعل، إذ المعنى: بعد أن آمنوا وشهدوا. وأجاز الزمخشري وغيره أن تكون: الواو، للحال لا للعطف، التقدير: كفروا بعد إيمانهم وقد شهدوا، والعامل فيه: كفروا.
والرسول هنا: محمد صلى الله عليه وسلم)، قاله الجمهور، وجوز أن يكون الرسول هنا بمعنى الرسالة، وفيه بعد.
والبينات: هي شواهد القرآن، والمعجزات التي تأتي بمثلها الأنبياء.
* (والله لا يهدى القوم الظالمين) * أي: لا يخلق في قلوبهم الهداية. و: الظالمين، عام معناه الخصوص أي: لا يهدي من قضى عليه بأنه يموت على الكفر قال ابن عطية: ويحتمل أن يريد الإخبار عن أن الظالم في ظلمه ليس على هدى من الله، فتجيء الآية عامة تامة العموم. انتهى. وهذا المعنى الذي ذكره ينبو عنه لفظ الآية وقال الزمخشري: الظالمين، المعاندين الذين علم الله أن اللطف لا ينفعهم. انتهى. وتفسيره على طريقته الإعتزالية.
* (أولئك جزآؤهم أن عليهم لعنة الله والملئكة والناس أجمعين * خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون) * تقدم تفسير مثل هذه الجملة. وتوجيه قراءة الحسن: والناس أجمعون، في سورة البقرة، فأغنى عن إعادته، إلا أن هنا * (أولئك جزآؤهم) * أي: جزاء كفرهم، وهناك * (أولئك عليهم لعنة الله) *، لأن هناك جاء الإخبار عن من مات كافرا، فلذلك تحتمت اللعنة عليهم، وهنا ليس كذلك، ألا ترى إلى سبب النزول؟ وأن أكثر الأقوال إنها نزلت في قوم ارتدوا ثم راجعوا الإسلام؟ ولذلك جاء الاستثناء وهو قوله: * (إلا الذين تابوا من بعد ذالك) * وهو استثناء متصل، ولذلك قال * (من بعد ذالك) * أي: من بعد ذلك الكفر العظيم.
* (وأصلحوا) * أي: ما أفسدوا، أو: دخلوا في الصلاح، كما تقول: أمسى زيد أي: دخل في المساء وقيل: معنى أصلحوا أظهروا أنهم كانوا على ضلال، وتقدم تفسير هذه اللفظة في البقرة في قوله * (إلا الذين تابوا وأصلحوا
(٥٤١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 536 537 538 539 540 541 542 543 544 545 546 ... » »»