تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ١ - الصفحة ٦٦٥
انظر) *، وشبهه وحركة الدال من: * (ولقد استهزىء) *، والتاء من: * (وقالت اخرج عليهن) *، وحركة التنوين من: * (فتيلا * أنظر) *، ونحوه، وحركة اللام من نحو: * (قل ادعوا الله) *، والواو من نحو: * (أو ادعوا الرحمان) *، فكسر ذلك عاصم وحمزة، وحركها أبو عمرو، إلا في اللام والواو؛ وعباس ويعقوب، إلا في الواو؛ وضم باقي السبعة، إلا ابن ذكوان، فإنه كسر التنوين. وعنه في: * (برحمة ادخلوا) *، و * (خبيثة اجتثت) * خلاف، وضابط هذا أنه يكون ضمة هذه الأفعال لازمة، فإن كانت عارضة، فالكسر نحو: * (أن امشوا) *، وتوجيه الكسر أنه حركة التقاء الساكنين، والضم أنه اتباع. ولم يعتدوا بالساكن، لأنه حاجز غير حصين، أو ليدلوا على أن حركة همزة الوصل المحذوفة كانت ضمة. وقرأ أبو جعفر وأبو السمال: فمن اضطر، بكسر الطاء، وأصله اضطرر، فلما أدرغم نقلت حركة الراء إلى الطاء. وقرأ ابن محيصن: فمن اطر، بإدغام الضاد في الطاء، وذلك حيث وقع. ومعنى الاضطرار: الالجاء بعدم، وغرث هذا قول الجمهور. وقيل معناه: أكره وغلب على أكل هذه امحرمات. وانتصاب غير باغ على الحال من الضمير المستكن في اضطر، وجعله بعضهم حالا من الضمير المستكن في الفعل المحذوف المعطوف على قوله: اضطر، وقدره: فمن اضطر فأكل غير باغ ولا عاد. قدره كذلك القاضي وأبو بكر الرازي ليجعلا ذلك قيدا في الأكل، لا في الاضطرار. ولا يتعين ما لاقاه، إذ يحتمل أن يكون هذا المقدر بعد قوله: غير باغ ولا عاد، بل هو الظاهر والأولى، لأن في تقدير قبل غير باغ ولا عاد فصلا بين ما ظاهره الاتصال بما بعده، وليس ذلك في تقديره بعد قوله غير باغ ولا عاد. وعاد: اسم فاعل من عدا، وليس اسم فاعل من عاد، فيكون مقلوبا، أو محذوفا من باب شاك ولاث، كما ذهب إليه بعضهم، لأن القلب لا ينقاس، ولا نصير إليه إلا لموجب، ولا موجب هنا لادعاء القلب. وأصل البغي، كما تقدم، هو طلب الفساد، وإن كان قد ورد لمطلق الطلب، فاستعمل في طلب الخير، كما قال الشاعر:
* أألخير الذي أنا أبتغيه * أم الشر الذي هو يبتغيني * ويقال:
لا يمنعك من بغاء الخير تعقاد التمائم فلا إثم عليه، الإثم: تحمل الذنب، نفى بذلك عنه الحرج. والمحذوف الذي قدرناه من قولنا: فأكل، لا بد منه، لأنه لا ينف الإثم عمن لم يوجد منه الاضطرار، ولا يترتب ذلك على الاضطرار وحده، بل على الأكل المترتب على الاضطرار، في حال كون المضطر لا باغيا ولا عاديا. وظاهر هذا التركيب أنه متى كان عاصيا بسفره فأكل، أنه يكون عله الإثم، لأنه يطلق أنه باغ، خلافا لأبي حنيفة ومن وافقه، فإنه يبيح له الأكل عند الضرورة. وظاهر بناء اضطر حصول مطلق الضرورة بشغب، أو إكراه، سواء حصل الاضطرار في سفر أو حضر. وظاهر قوله: * (فلا إثم عليه) * نفي كل فرد من الإثم عنه إذا أكل، لا وجوب الأكل. وقال الطبري: ليس الأكل عند الضرورة رخصة، بل ذلك عزيمة واجبة، ولو امتنع من الأكل كان عاصيا. وقال مسروق: بلغني أنه من اضطر إلى الميتة فلم يأكل حتى مات، دخل النار، كأنه أشار إلى أنه قاتل نفسه بتركه ما أباح الله له.
* (إن الله غفور رحيم) *: لما ذكر أشياء محرمة اقتضى المنع منها، ثم ذكر إباحتها للمضطر في تلك الحال المقيدة له، أتبع ذلك بالإخبار عن نفسه بأنه تعالى غفور رحيم، لأن المخاطب بصدد أن يخالف، فيقع في شيء من أكل هذه المحرمات، فأخبر بأنه غفور للعصاة إذا تابوا، رحيم بها. أو لأن المخاطب، إذا اضطر فأكل ما يزيد على قدر الحاجة، فهو تعالى غفورله ذلك، رحيم بأن أباح له قدر الحاجة. أو لأن مقتضى الحرمة قائم في هذه المحرمات، ثم رخص في تناولها مع قيام المانع، فعبر عن هذا الترخيص والإباحة بالمغفرة، ثم ذكر بعد الغفران صفة الرحمة، أي لأجل رحمتي بكم أبحت لكم ذلك..
* (إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب) *: روي عن ابن عباس أنها نزلت في علماء اليهود، كانوا يصيبون من سفلتهم هدايا، وكانوا يرجون أن يكون النبي
(٦٦٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 660 661 662 663 664 665 666 667 668 669 670 ... » »»