التسهيل لعلوم التنزيل - الغرناطي الكلبي - ج ٣ - الصفحة ١٨٤
قال الله يا داود وخلافة داود بالنبوة والملك قال ابن عطية لا يقال خليفة الله إلا لنبي وأما الملوك والخلفاء فكل واحد منهم خليفة الذي قبله وقول الناس فيهم خليفة الله تجوز * (وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا) * أي عبثا بل خلقهما الله بالحق للاعتبار بهما والاستدلال على خالقهما * (ذلك ظن الذين كفروا) * المعنى أن الكفار لما أنكروا الحشر والجزاء كانت خلقة السماوات والأرض عندهم باطلا بغير الحكمة فإن الحكمة في ذلك إنما تظهر في الجزاء الأخروي * (أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض) * أم هنا استفهامية يراد بها الإنكار أي أن الله لا يجعل المؤمنين والمتقين كالمفسدين والفجار بل يجازي كل واحد بعمله لتظهر حكمة الله في الجزاء ففي ذلك استدلال على الحشر والجزاء وفيه أيضا وعد ووعيد * (إذ عرض عليه بالعشي الصافنات الجياد) * الصافنات جمع صافن وهو الفرس الذي يرفع إحدى رجليه أو يديه ويقف على طرف الأخرى وقيل الصافن هو الذي يسوي يديه والصفن علامة على فراهة الفرس والجياد السريعة الجري واختلف الناس في قصص هذه الآية فقال الجمهور إن سليمان عليه السلام عرضت عليه خيل كان ورثها عن أبيه وقيل أخرجتها له الشياطين من البحر وكانت ذوات أجنحة وكانت ألف فرس وقيل أكثر فتشاغل بالنظر إليها حتى غربت الشمس وفاتته صلاة العشى العصر فأسف لذلك وقال ردوا علي الخيل وطفق يضرب أعناقها وعراقيبها بالسيف حتى عقرها لما كانت سبب فوات الصلاة ولم يترك منها إلا اليسير فأبدله الله أسرع منها وهي الريح وأنكر بعض العلماء هذه الرواية وقال تفويت الصلاة ذنب لا يفعله سليمان وعقر الخيل لغير فائدة لا يجوز فكيف يفعله سليمان عليه السلام وأي ذنب للخيل في تفويت الصلاة فقال بعضهم إنما عقرها ليأكلها الناس وكان زمانهم زمان مجاعة فعقرها تقربا إلى الله وقال بعضهم لم تفته الصلاة ولا عقر الخيل بل كان يصلي فعرضت عليه الخيل فأشار إليهم فأزالوها حتى دخلت اصطبلاتها فلما فرغ من صلاته قال ردوها علي فطفق يمسح عليها بيده كرامة لها ومحبة وقيل إن المسح عليها كان وسما في سوقها وأعناقها بوسم حبس في سبيل الله * (فقال إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي) * معنى هذا يختلف على حسب الاختلاف في القصة فأما الذين قالوا إن سليمان عقر الخيل لما اشتغل بها حتى فاتته الصلاة فاختلفوا في هذا على ثلاثة أقوال أحدها أن الخير هنا يراد به الخيل وزعموا أن الخيل يقال لها خير وأحببت بمعنى آثرت أو بمعنى فعل يتعدى بعن كأنه قال آثرت حب الخيل فشغلني عن ذكر ربي والآخر أن الخير هنا يراد به المال لأن الخيل وغيرها مال فهو كقوله تعالى أو ترك خيرا أي مالا والثالث
(١٨٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 179 180 181 182 183 184 185 186 187 188 189 ... » »»