دقائق التفسير - ابن تيمية - ج ١ - الصفحة ٣٢١
لعنته فأقروا بالجزية وهم صاغرون ثم كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل ملك الروم بقوله تعالى * (يا أهل الكتاب تعالوا) * إلى آخرها وكان أحيانا يقرأ بها في الركعة الثانية من ركعتي الفجر ويقرأ في الأولى بقوله * (قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون) * وهذا كله يبين أن المسيح عبد ليس بإله وأنه مخلوق كما خلق آدم وقد أمر أن يباهل من قال أنه إله فيدعو كل من المتباهلين أبناءه ونساءه وقريبه المختص به ثم يبتهل هؤلاء وهؤلاء ويدعون الله أن يجعل لعنته على الكاذبين فإن كان النصارى كاذبين في قولهم هو الله حقت اللعنة عليهم وإن كان من قال ليس هو الله بل عبد الله كاذبا حقت اللعنة عليه وهذا إنصاف من صاحب يقين يعلم أنه على الحق والنصارى لما لم يعلموا أنهم على الحق نكلوا عن المباهلة وقد قال عقب ذلك * (إن هذا لهو القصص الحق وما من إله إلا الله) * تكذبيا للنصارى الذين يقولون هو إله حق من إله حق فكيف يقال أنه أراد أن المسيح فيه لاهوت وناسوت وأن هذا هو الناسوت فقط دون اللاهوت وبهذا ظهر الجواب عن قولهم قال في موضع آخر إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم فأعنى بقوله عيسى أشار إلى البشرية المأخوذة من مريم الطاهرة لأنه لم يذكر الناسوت ها هنا اسم المسيح إنما ذكر عيسى فقط فإنه يقال عيسى هو المسيح بدليل أنه قال * (ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل) * فأخبر أنه ليس المسيح إلا رسولا ليس هو بإله وأنه ابن مريم والذي هو ابن مريم هو الناسوت وقال * (إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه فآمنوا بالله ورسله ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيرا لكم إنما الله إله واحد سبحانه أن يكون له ولد له ما في السماوات وما في الأرض وكفى بالله وكيلا لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم إليه جميعا) *
(٣٢١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 316 317 318 319 320 321 322 323 324 325 326 ... » »»