تفسير القرطبي - القرطبي - ج ٧ - الصفحة ٣٩٦
قوله تعالى: واعلوا أنما أموالكم وأولادكم فتنة وأن الله عنده أجر عظيم (28) قوله تعالى: (واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة) كان لأبي لبابة أموال وأولاد في بني قريظة: وهو الذي حمله على ملاينتهم، فهذا إشارة إلى ذلك. (فتنة) أي اختبار، امتحنهم بها. (وأن الله عنده أجر عظيم) فآثروا حقه على حقكم.
قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ويكفر عنكم سيأتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم (29) قد تقدم معنى " التقوى ". وكان الله عالما بأنهم يتقون أم لا يتقون. فذكر بلفظ الشرط، لأنه خاطب العباد بما يخاطب بعضهم بعضا. فإذا اتقى العبد ربه - وذلك باتباع أوامره واجتناب نواهيه - وترك الشبهات مخافة الوقوع في المحرمات، وشحن قلبه بالنية الخالصة، وجوارحه بالأعمال الصالحة، وتحفظ من شوائب الشرك الخفي والظاهر بمراعاة غير الله في الأعمال، والركون إلى الدنيا بالعفة عن المال، جعل له بين الحق والباطل فرقانا، ورزقه فيما يريد من الخير إمكانا. قال ابن وهب: سألت مالكا عن قوله سبحانه وتعالى:
" إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا " قال: مخرجا، ثم قرأ " ومن يتق الله يجعل له مخرجا (1) " . وحكى ابن القاسم وأشهب عن مالك مثله سواء، وقاله مجاهد قبله. وقال الشاعر:
مالك من طول الأسى فرقان * بعد قطين رحلوا وبانوا وقال آخر:
وكيف أرجي الخلد والموت طالبي * وما لي من كأس المنية فرقان ابن إسحاق: " فرقانا " فصلا بين الحق والباطل، وقال ابن زيد. السدي: نجاة. الفراء:
فتحا ونصرا. وقيل: في الآخرة، فيدخلكم الجنة ويدخل الكفار النار.

(1) راجع ج 18 ص 157 فما بعد.
(٣٩٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 391 392 393 394 395 396 397 398 399 400 401 ... » »»