ثم حذفت الهاء كما حذفت من قوله تعالى: " فاصدع بما تؤمر (1) " [الحجر: 94]. أو يكون فاعل بمعنى فعل كما قال تعالى: " قاتلهم الله " (2) [التوبة: 30] أي قتلهم. وقد تأتي المفاعلة في كلام العرب من واحد بغير معنى (فاعلت) كقولهم: سافرت وظاهرت. وقرئ " عقدتم " بتشديد القاف. قال مجاهد: معناه تعمدتم أي قصدتم. وروي عن ابن عمر أن التشديد يقتضي التكرار فلا تجب عليه الكفارة إلا إذا كرر. وهذا يرده ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [إني والله إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلا أتيت الذي هو خير وكفرت عن يميني] فذكر وجوب الكفارة في اليمين التي لم تتكرر. قال أبو عبيد: التشديد يقتضي التكرير مرة بعد مرة، ولست آمن أن يلزم من قرأ بتلك القراءة ألا توجب عليه كفارة في اليمين الواحدة حتى يرددها مرارا. وهذا قول خلاف الاجماع. روى نافع أن ابن عمر كان إذا حنث من غير أن يؤكد اليمين أطعم عشرة مساكين، فإذا وكد اليمين أعتق رقبة. قيل: لنافع ما معنى وكد اليمين؟ قال: أن يحلف على الشئ مرارا.
الخامسة - اختلف في اليمين الغموس هل هي يمين منعقدة أم لا؟ فالذي عليه الجمهور أنها يمين مكر وخديعة وكذب فلا تنعقد ولا كفارة فيها. وقال الشافعي: هي يمين منعقدة، لأنها مكتسبة بالقلب، معقودة بخبر، مقرونة باسم الله تعالى، وفيها الكفارة.
والصحيح الأول. قال ابن المنذر: وهذا قول مالك بن أنس ومن تبعه من أهل المدينة، وبه قال الأوزاعي ومن وافقه من أهل الشام، وهو قول الثوري وأهل العراق، وبه قال أحمد وإسحق وأبو ثور وأبو عبيد، وأصحاب الحديث وأصحاب الرأي من أهل الكوفة، قال أبو بكر: وقول النبي صلى الله عليه وسلم: " من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه " وقوله: " فليكفر عن يمينه ويأتي الذي هو خير " يدل على أن الكفارة إنما تجب فيمن حلف على فعل يفعله مما يستقبل فلا يفعله، أو على فعل ألا يفعله فيما يستقبل فيفعله. وفي المسألة قول ثان وهو أن يكفر وإن أثم وعمد الحلف بالله كاذبا، هذا قول الشافعي. قال أبو بكر: ولا نعلم خبرا يدل على هذا القول،