غل فلان المفاوز، أي دخلها وتوسطها. وغل من المغنم غلولا، أي خان. وغل الماء بين الأشجار إذا جرى فيها، يغل بالضم (1) في جميع ذلك. وقيل: الغلول في اللغة أن يأخذ من المغنم شيئا يستره عن أصحابه، ومنه تغلغل الماء في الشجر إذا تخللها. والغلل: الماء الجاري في أصول الشجر، لأنه مستتر بالأشجار، كما قال (2):
لعب السيول به فأصبح ماؤه * غللا يقطع في أصول الخروع ومنه الغلالة للثوب الذي يلبس تحت الثياب. والغال: أرض مطمئنة ذات شجر. ومنابت السلم (3) والطلح يقال لها: غال. والغال أيضا نبت، والجمع غلان بالضم. وقال بعض الناس:
إن معنى " يغل " يوجد غالا، كما تقول: أحمدت الرجل وجدته محمودا. فهذه القراءة على هذا التأويل ترجع إلى معنى " يغل " بفتح الياء وضم الغين. ومعنى " يغل " عند جمهور أهل العلم أي ليس لأحد أن يغله، أي يخونه في الغنيمة. فالآية في معنى نهي الناس عن الغلول في الغنائم، والتوعد عليه. وكما لا يجوز أن يخان النبي صلى الله عليه وسلم لا يجوز أن يخان غيره، ولكن خصه بالذكر لان الخيانة معه أشد وقعا وأعظم وزرا، لان المعاصي تعظم بحضرته لتعين توقيره. والولاة إنما هم على أمر النبي صلى الله عليه وسلم فلهم حظهم من التوقير.
وقيل: معنى " يغل " أي ما غل نبي قط، وليس الغرض النهي.
الثانية - قوله تعالى: (ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة) أي يأتي به حاملا له على ظهره ورقبته، معذبا بحمله وثقله، ومرعوبا بصوته، وموبخا بإظهار خيانته على رؤوس الاشهاد، على ما يأتي. وهذه الفضيحة التي يوقعها الله تعالى بالغال نظير الفضيحة التي توقع بالغادر، في أن ينصب له لواء عند أسته بقدر غدرته. وجعل الله تعالى هذه المعاقبات حسبما يعهده البشر ويفهمونه، ألا ترى إلى قول الشاعر:
أسمي ويحك هل سمعت بغدرة * رفع اللواء لنا بها في المجمع