تفسير ابن عربي - ابن العربي - ج ١ - الصفحة ٤٧
هي ومنافعها ومضارها * (ثم عرضهم) * أي: عرض مسمياتها * (على الملائكة) * بشهودهم البنية الإنسانية ومرافقتهم لآدم في التنزيل. ومعنى قوله: * (فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين) * إرادته لانتعاشهم ببعض معلومات الإنسان باقتضاء التركيب الإنساني، وتأذي محسوساته ومعلوماته المتنوعة منها والحادثة فيه بخاصية التركيب والهيئة الاجتماعية إلى ذواتهم بعد ما لم تكن، إذ علومهم تابعة لعلمه وهو معنى إفحامهم وتعلق إرادته بذلك أمر آدم باللإنباء إذ جميع القوى الإنسانية والملائكة التي بحضرته تنتعش بما لا تنتعش هي في غير ذلك المحل، وهو معنى إنباء آدم إياهم.
ومعنى قوله: * (قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم) * شهادة وجوداتهم بالدلالة وألسنة الحال على قصورهم عن الكمالات الإنسانية وتخلفهم عن شأوها، وبتنزيه الله عن فعل ما فيه مفسدة بالإجمال، وعلمهم بامتناع ترقيهم إلى مراتبهم بكسب العلوم، إذ كمالاتهم مقارنة لوجوداتهم، وبأن علمه تعالى فوق علمهم فهو العليم المطلق، والحكيم الذي لا يفعل إلا ما ينبغي. ولهذا قال:
* (يا آدم أنبئهم) * ولم يقل علمهم، لأن العلم المكتسب الموجب للترقي هو من خاصية الجمعية الإنسانية فلا يقبل كل منها إلا ما في طباعه من جنس مدركاته لا غير، وكما أن البصر مثلا من كثرة مبصراته لا يزيد علما ورتبة ولا يقبل إلا ما هو من جنس المبصرات فقط، وإن تكثرت عنده فكذلك حال كل قوة باطنة. ومعنى: * (ألم أقل) * تقريره في طباع الملائكة أنه تعالى يعلم ما لا يعلمون من غيب السماوات والأرض الذي هو سر المعرفة والمحبة المودع في الإنسان الذي استأثر الله بعلمه * (وأعلم ما تبدون) * من علمكم بمفاسد الإنسان * (وما كنتم تكتمون) * من ترجيحكم ذواتكم عليه لنزاهتها وتقدسها.
[آية 34] * (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم) * سجودهم لآدم انقيادهم وتذللم له.
ومطاوعتهم وتسخرهم له * (فسجدوا إلا إيلبس أبى واستكبر) * وإبليس هو القوة الوهمية لأنها ليست من الملائكة الأرضية الصرفة المحجوبة عن إدراك المعاني بإدراك الصور، فيذعن بالقهر مطاوعة لأمر الله، ولا من السماوية العقلية فتدرك شرف آدم وتوافق عقله فيذعن بالمحبة طالبا لرضا الله. وكان جنيا: أي من جملة الملكوت السفلية والقوى الأرضية، نشأ وتربى بين ظهور الملائكة السماوية لإدراكه المعاني الجزئية وترقيه إلى الأفق العقلي ولهذا كان في الحيوانات العجم بمنزلة العقل في الإنسان وإباؤه عدم
(٤٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 ... » »»