والمستحق للعقاب هو الله تعالى دون العباد، لإجماع الأمة على أن الله تعالى هو المستحق، مع إنا بينا أن نفس استحقاق العقاب لا يعلم عقلا وكيف يعلم من المستحق له، ولو استحق بعضنا على بعض العقاب لكان ذلك عاما في العقلاء وكان يجب أن يستحق عقاب فاعل القبيح جميع العقلاء وكل من يمكن خلقه حتى لا يستقر على قدر.
وليس لأحد أن يقول يختص الاستحقاق بالمساء إليه، وذلك أن العقاب إنما يستحق لكونه قبيحا كما يستحق الذم لذلك، وإذا كان استحقاق الذم شائعا وجب أن يكون استحقاق العقاب شائعا، وقد بينا فساده. على أن العقاب يستحق بما ليس باساءة من القبائح كالجهل والعبث والكذب وغير ذلك، فلا يمكن في ذلك الاختصاص.
واعتماد المخالف في ذلك على أن ولي الدم يستحق القود وهو عقاب، باطل لأن طريق ذلك الشرع، واستيفاء الولي لذلك بمنزلة استيفاء الإمام وإن لم يكن الإمام مستحقا لعقابه بلا خلاف.
ثم كيف يستحق الولي العقاب والجناية إلى غيره، وإسقاط ولي الدم حقه من القود لا يدل على أنه حقه لأن طريق ذلك أيضا السمع.
وإذا بينا أن استحقاق العقاب لا يعلم عقلا فما لا يعلم دوامه عقلا أولى وأحرى لأن الدوام كيفية، وإذا كان نفس الاستحقاق لا يعلم فكيفيته أولى بذلك.
ومتى حملوا العقاب على الذم في دوامه فالكلام عليه مثل الكلام على دوام الثواب حين حملوه على استحقاق المدح سواء، وقد تكلمنا عليه فالطريقة واحدة.
ومتى قالوا لو جاز انقطاع العقاب للحق المعاقب راحة إذا تصور ذلك، ومثل ذلك قالوا في الثواب أنه يتبعض على المثاب إذا تصور انقطاعه، وإنا