وليس فيها أمان. ويروى أن سفيان بن عيينة ذكر هذا المعنى، وأكده بقوله تعالى: * (ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا) * (النساء: 94) فقيل له: أليس أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل الحرب بسم الله الرحمن الرحيم. فأجاب عنه: بأن ذلك ابتداء منه بدعوتهم إلى الله، ولم ينبذ إليهم عهدهم. ألا تراه قال في آخر الكتاب: " والسلام على من اتبع الهدى " وأما في هذه السورة فقد اشتملت على المقاتلة ونبذ العهود فظهر الفرق.
والوجه السادس: قال أصحابنا: لعل الله تعالى لما علم من بعض الناس أنهم يتنازعون في كون بسم الله الرحمن الرحيم من القرآن، أمر بأن لا تكتب ههنا، تنبيها على كونها آية من أول كل سورة، وأنها لما لم تكن آية من هذه السورة، لا جرم لم تكتب، وذلك يدل على أنها لما كتبت في أول سائر السور وجب كونها آية من كل سورة.
* (برآءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين * فسيحوا فى الارض أربعة أشهر واعلموا أنكم غير معجزي الله وأن الله مخزى الكافرين) *.
وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى: معنى البراءة انقطاع العصمة. يقال: برئت من فلان أبرأ براءة، أي انقطعت بيننا العصمة ولم يبق بيننا علقة، ومن هنا يقال برئت من الدين، وفي رفع قوله: * (براءة) * قولان: الأول: أنه خبر مبتدأ محذوف أي هذه براءة. قال الفراء: ونظيره قولك إذا نظرت إلى رجل جميل، جميل والله، أي هذا جميل والله، وقوله: * (من) * لابتداء الغاية، والمعنى: هذه براءة واصلة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم، كما تقول كتاب من فلان إلى فلان. الثاني: أن يكون قوله: * (براءة) * مبتدأ وقوله: * (من الله ورسوله) * صفتها وقوله: * (إلى الذين عاهدتم) * هو الخبر كما تقول رجل من بني تميم في الدار.
فإن قالوا: ما السبب في أن نسب البراءة إلى الله ورسوله، ونسب المعاهدة إلى المشركين؟
قلنا قد أذن الله في معاهدة المشركين، فاتفق المسلمون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاهدهم ثم إن المشركين نقضوا العهد فأوجب الله النبذ إليهم، فخوطب المسلمون بما يحذرهم من ذلك، وقيل اعلموا أن الله ورسوله قد برئا مما عاهدتم من المشركين.
المسألة الثالثة: روي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما خرج إلى غزوة تبوك وتخلف المنافقون وأرجفوا بالأراجيف، جعل المشركون ينقضون العهد، فنبذ رسول الله صلى الله عليه وسلم العهد إليهم.