تفسير الرازي - الرازي - ج ١ - الصفحة ١٩٩
ولم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم، فلما قضى صلاته ناداه المهاجرون والأنصار من كل ناحية أنسيت؟ أين بسم الله الرحمن الرحيم حين استفتحت القرآن؟ فأعاد معاوية الصلاة وقرأ بسم الله الرحمن الرحيم، وهذا الخبر يدل على إجماع الصحابة رضي الله عنهم على أنه من القرآن ومن الفاتحة، وعلى أن الأولى الجهر بقراءتها.
الحجة الثالثة عشرة: أن سائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كانوا عند الشروع في أعمال الخير يبتدئون بذكر بسم الله، فوجب أن يجب على رسولنا صلى الله عليه وسلم ذلك، وإذا ثبت هذا الوجوب في حق الرسول ثبت أيضا في حقنا، وإذا ثبت الوجوب في حقنا ثبت أنه آية من سورة الفاتحة، أما المقدمة الأولى: فالدليل عليها أن نوحا عليه السلام لما أراد ركوب السفينة قال: * (اركبوا فيها بسم الله مجريها ومرساها) * (هود: 41) وأن سليمان لما كتب إلى بلقيس كتب بسم الله الرحمن الرحيم، فإن قالوا: أليس أن قوله تعالى: * (إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم) * يدل على أن سليمان قدم اسم نفسه على اسم الله تعالى؟ قلنا: معاذ الله أن يكون الأمر كذلك، وذلك لأن الطير أتى بكتاب سليمان ووضعه على صدر بلقيس، وكانت المرأة في بيت لا يقدر أحد على الدخول فيه لكثرة من أحاط بذلك البيت من العساكر والحفظة، فعلمت بلقيس أن ذلك الطير هو الذي أتى بذلك الكتاب، وكانت قد سمعت باسم سليمان، فلما أخذت الكتاب قالت هي من عند نفسها: إنه من سليمان، فلما فتحت الكتاب رأت التسمية مكتوبة فقالت: * (وإنه بسم الله الرحمن الرحيم) *. فثبت أن الأنبياء عليهم السلام كلما شرعوا في عمل من أعمال الخير ابتدأوا بذكر بسم الله الرحمن الرحيم، والمقدمة الثانية: أنه لما ثبت هذا في حق سائر الأنبياء وجب أن يجب على رسولنا ذلك، لقوله تعالى: * (أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده) * (الأنعام: 90) وإذا ثبت ذلك في حق الرسول وجب أن يجب علينا ذلك لقوله تعالى: * (واتبعوه) * وإذا ثبت وجوب قراءته علينا ثبت أنه آية من الفاتحة، لأنه لا قائل بالفرق.
الحجة الرابعة عشرة: أنه تعالى متقدم بالوجود على وجود سائر الموجودات؛ لأنه تعالى قديم وخالق وغيره محدث ومخلوق، والقديم الخالق يجب أن يكون سابقا على المحدث المخلوق، وإذا ثبت أنه تعالى سابق على غيره وجب بحكم المناسبة العقلية أن يكون ذكره سابقا على ذكر غيره، وهذا السبق في الذكر لا يحصل إلا إذا كان قراءة بسم الله الرحمن الرحيم سابقة على سائر الأذكار والقراءات، وإذا ثبت أن القول بوجوب هذا التقدم حسن في
(١٩٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 194 195 196 197 198 199 200 201 202 203 204 ... » »»