تفسير الرازي - الرازي - ج ١ - الصفحة ١٩٣
الخوف، فثبت أن الأحوط هو العمل.
الحجة الرابعة عشرة: لو كانت الصلاة بغير الفاتحة جائزة وكانت الصلاة بالفاتحة جائزة لما كانت الصلاة بالفاتحة أولى؛ لأن المواظبة على قراءة الفاتحة توجب هجران سائر السور وذلك غير جائز، لكنهم أجمعوا على أن الصلاة بهذه السورة أولى، فثبت أن الصلاة بغير هذه السورة غير جائزة.
الحجة الخامسة عشرة: أجمعنا على أنه لا يجوز إبدال الركوع والسجود بغيرهما، فوجب أن لا يجوز إبدال قراءة الفاتحة بغيرها، والجامع رعاية الاحتياط.
الحجة السادسة عشرة: الأصل بقاء التكليف، فالقول بأن الصلاة بدون قراءة الفاتحة تقتضي الخروج عن العهدة، أما أن يعرف بالنص أو القياس، أما الأول فباطل، لأن النص الذي يتمسكون به هو قوله تعالى: * (فاقرؤا ما تيسر من القرآن) * وقد بينا أنه دليلنا، وأما القياس فباطل، لأن التعبدات غالبة على الصلاة، وفي مثل هذه الصورة يجب ترك القياس.
الحجة السابعة عشرة: لما ثبت أن النبي عليه الصلاة والسلام واظب على القراءة طول عمره فحينئذ تكون قراءة غير الفاتحة ابتداعا وتركا للاتباع وذلك حرام لقوله عليه الصلاة والسلام: " اتبعوا ولا تبتدعوا "، ولقوله عليه الصلاة والسلام: " وأحسن الهدى هدى محمد وشر الأمور محدثاتها ".
الحجة الثامنة عشرة: الصلاة مع الفاتحة وبدون الفاتحة وبدون الفاتحة إما أن يتساويا في الفضيلة أو الصلاة مع الفاتحة أفضل، والأول باطل بالإجماع؛ لأنه عليه الصلاة والسلام واظب على الصلاة بالفاتحة، فتعين الثاني، فنقول: الصلاة بدون الفاتحة توجب فوات الفضيلة الزائدة من غير جابر فوجب أن لا يجوز المصير إليه، لأنه قبيح في العرف فيكون قبيحا في الشرع.
واحتج أبو حنيفة بالقرآن والخبر أما القرآن فقوله تعالى: * (فاقرؤا ما تيسر من القرآن) * (المزمل: 20) وأما الخبر فما روى أبو عثمان النهدي عن أبي هريرة أنه قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أخرج، وأنادي: لا صلاة إلا بقراءة، ولو بفاتحة الكتاب.
والجواب عن الأول: أنا بينا أن هذه الآية من أقوى الدلائل على قولنا، وذلك لأن قوله * (فاقرؤا ما تيسر من القرآن) * أمر، والأمر للوجوب، فهذا يقتضي أن قراءة ما تيسر من القرآن واجبة فنقول: المراد بما تيسر من القرآن إما أن يكون هو الفاتحة، أو غير الفاتحة أو المراد التخيير بين الفاتحة وبين غيرها، والأول: يقتضي أن يكون الفاتحة بعينها واجبة، وهو المطلوب، والثاني: يقتضي أن يكون قراءة غير الفاتحة واجبة بعينها، وهو باطل بالإجماع
(١٩٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 188 189 190 191 192 193 194 195 196 197 198 ... » »»