تفسير البغوي - البغوي - ج ١ - الصفحة ٤٣٠
في السين وقرأ حمزة والكسائي بفتح التاء وتخفيف السين على حذف تاء التفعل كقوله تعالى (لا تكلم نفس إلا بإذنه) وقرأ الآخرون بضم التاء وتخفيف السين على المجهول أي لو سويت بهم الأرض وصاروا هم والأرض شيئا واحدا قال قتادة وأبو عبيدة يعني لو تحرقت الأرض فساخوا فيها وعادوا إليها كما خرجوا عنها ثم تسوى بهم أي عليهم الأرض وقيل ودوا لو أنهم لم يبعثوا لأنهم إنما نقلوا من التراب وكانت الأرض مستوية عليهم وقال الكلبي يقول الله عز وجل للبهائم والوحوش والطيور والسباع كونوا ترابا فتسوى بهم الأرض فعند ذلك يتمنى الكافر أن لو كان ترابا كما قال الله تعالى (ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا) (ولا يكتمون الله حديثا) قال عطاء ودوا لو تسوى بهم الأرض وأنهم لم يكونوا كتموا أمر محمد صلى الله عليه وسلم ولا نعته وقال الآخرون بل هو كلام مستأنف يعني ولا يكتمون الله حديثا لأن ما عملوه لا يخفى على الله ولا يقدرون على كتمانه وقال الكلبي وجماعة (ولا يكتمون الله حديثا) لأن جوارحهم تشهد عليهم وقال سعيد بن جبير قال رجل لابن عباس رضي الله عنهما إني أجد في القرآن أشياء تختلف علي قال هات ما اختلف عليك قال (فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون) (وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون) (ولا يكتمون الله حديثا) وقال (والله ربنا ما كنا مشركين) فقد كتموا وقال (أم السماء بناها) إلى قوله تعالى (والأرض بعد ذلك دحاها) وذكر خلق السماء قبل الأرض ثم قال (إنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين) إلى قوله (طائعين) فذكر في هذه خلق الأرض قبل السماء وقال (وكان الله غفورا رحيما) (وكان الله عزيزا حكيما) فكأنه كان ثم مضى فقال ابن عباس رضي الله عنهما فلا أنساب في النفخة الأولى قال الله تعالى (ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله) فلا أنساب عند ذلك ولا يتساءلون ثم في النفخة الآخرة أقبل بعضهم على بعض يتساءلون وأما قوله (ما كنا مشركين ولا يكتمون الله حديثا) فإن الله يغفر لأهل الإخلاص ذنوبهم فيقول المشركين تعالوا نقل لم نكن مشركين فيختم على أفواههم وتنطق أيديهم فعند ذلك عرف أن الله لا يكتم حديثا وعنده (يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض) و (خلق الأرض في يومين) ثم خلق السماء ثم استوى إلى السماء فسواهن في يومين آخرين ثم دحا الأرض في يومين فخلقت الأرض وما فيها من شيء في أربعة أيام وخلقت السماوات في يومين (وكان الله غفورا رحيما) أي لم يزل كذلك فلا يختلف عليك القرآن فإن كلا من عند الله وقال الحسن إنها مواطن ففي موطن لا يتكلمون ولا تسمع إلا همسا وفي موضع يتكلمون ويكذبون ويقولون ما كنا مشركين وما كنا نعمل في سوء وفي موطن يعترفون على أنفسهم وهو قوله (فاعترفوا بذنبهم) وفي موطن لا يتساءلون وفي موطن يتساءلون الرجعة وآخر تلك المواطن أن يختم على أفواههم وتتكلم جوارحهم وهو قوله تعالى (ولا يكتمون الله حديثا)
(٤٣٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 425 426 427 428 429 430 431 432 433 434 435 ... » »»