تفسير الثعلبي - الثعلبي - ج ٨ - الصفحة ٤٧
" * (إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون) *) قرأ أهل الكوفة وأيوب بالياء واختاره أبو عبيد قال: للحائل بين التأنيث والفعل، وكذلك روى هشام عن أهل الشام وقرأ الباقون بالتاء.
" * (لهم الخيرة) *) أي الاختيار وقراءة العامة (الخيرة) بكسر الخاء وفتح الياء، وقرأ ابن السميقع بسكون الياء وهما لغتان " * (من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا) *) فلما نزلت هذه الآية قالت: قد رضيت يا رسول الله، وجعلت أمرها بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك أخوها فأنكحها رسول الله صلى الله عليه وسلم زيدا، فدخل بها، وساق إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة دنانير وستين درهما وخمارا وملحفة ودرعا وأزارا وخمسين مدا من طعام وثلاثين صاعا من تمر.
وقال ابن زيد: نزلت هذه الآية في أم كثلوم بنت عقبة بن أبي معيط، وكانت أول من هاجر من النساء، فوهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: قد قبلت، فزوجها زيد بن حارثة فسخطت هي وأخوها وقالا: إنما أردنا رسول الله صلى الله عليه فزوجنا عبده فأنزل الله عز وجل: " * (وإذ تقول للذي أنعم الله عليه) *) الآية.
وذلك أن زينب مكثت عند زيد حينا، ثم إن رسول الله صلى الله عليه أتى زيدا ذات يوم لحاجة، فأبصرها قائمة في درع وخمار فأعجبته، وكأنها وقعت في نفسه فقال: سبحان الله مقلب القلوب وانصرف.
فلما جاء زيد، ذكرت ذلك له ففطن زيد، كرهت إليه في الوقت، فألقي في نفس زيد كراهتها، فأراد فراقها، فأتى رسول الله صلى الله عليه فقال: إني أريد أن أفارق صاحبتي. قال: ما لك؟ أرابك منها شيء؟ قال: لا والله يا رسول الله ما رأيت منها إلا خيرا، ولكنها تتعظم علي بشرفها وتؤذيني بلسانها، فقال له النبي (عليه السلام): أمسك عليك زوجك واتق الله، ثم إن زيدا طلقها بعد ذلك، فلما انقضت عدتها، قال رسول الله صلى الله عليه لزيد: ما أجد أحدا أوثق في نفسي منك. أئت زينب فاخطبها علي.
قال زيد: فانطلقت، فإذا هي تخمر عجينها، فلما رأيتها، عظمت في صدري حتى ما أستطيع أن أنظر إليها حين علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرها فوليتها ظهري، وقلت: يا زينب أبشري فإن رسول الله يخطبك، ففرحت بذلك وقالت: ما أنا بصانعة شيئا حتى أوامر ربي، فقامت إلى مسجدها وأنزل القرآن " * (زوجنكها) *) فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخل بها، وما أولم على امرأة من نسائه ما أولم عليها، ذبح شاة وأطعم الناس الخبز واللحم حتى امتد النهار، فذلك قوله عز وجل: " * (وإذ تقول للذي أنعم الله عليه) *) بالإسلام " * (وأنعمت عليه) *) بالإعتاق وهو زيد بن حارثة " * (أمسك عليك زوجك) *) يعني زينب بنت جحش وكانت ابنة عمة النبي صلى الله عليه.
(٤٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 ... » »»