ولا خلاف بين المسلمين في أن من شرط الصلاة والزكاة والحج والكفارات إيجاد النية لها، لأنها فروض مقصودة لأعيانها، فكان حكم الصوم حكمها لهذه العلة بعينها.
فإن قيل: جميع ما استدللت به على كون النية شرطا في الصوم وفي سائر الفروض يلزمك شرط النية في الطهارة إذ كانت فرضا من الفروض. قيل له: ليس ذلك على ما ظننت، لأن الطهارة ليست فرضا مقصودا لعينها وإنما المقصود غيرها وهي شرط فيه، فقيل لنا: لا تصلوا إلا بطهارة، كما قيل: لا تصلوا إلا بطهارة من نجاسة، ولا تصلوا إلا بستر العورة، فليست هذه الأشياء مفروضة لأنفسها، فلم يلزم إيجاد النية لها، ألا ترى أن النية نفسها لما كانت شرطا لغيرها ولم تكن مفروضة لنفسها صحت بغير نية توجد لها؟
فانفصل بما ذكرنا حكم الفروض المقصودة لأعيانها وحكم ما جعل منها شرطا لغيره وليس هو بمفروض لنفسه، فلما كانت الطهارة بالماء شرطا لغيرها وليست أيضا ببدل عن سواها لم يلزم فيها النية، ولا يلزم على هذا إيجابنا النية في التيمم لأنه بدل عن غيره فلا يكون طهورا إلا بانضمام النية إليه، إذ ليس هو طهورا في نفسه بل هو بدل عن غيره. ولم يختلف الأمة في أن كل صوم واجب في الذمة فشرط صحته إيجاد النية له، فوجب أن يكون كذلك حكم صوم رمضان في كون النية شرطا لصحته. وشبه زفر صوم رمضان بالطهارة في اسقاط النية لهما، من قبل أن الطهارة مفروضة في أعضاء بعينها فكان الصوم مشبها لها في كونه مفروضا في وقت مستحق العين له. وهذا عند سائر الفقهاء ليس كذلك، لأن العلة التي ذكرها للطهارة غير موجودة في الصوم، إذ جعل علة الطهارة أنها مفروضة في موضع بعينه، وهذا المعنى غير موجود في الصوم لأنه غير موضوع في موضع بعينه، وإنما هو موضوع في وقت معين لا في موضع معين. وعلى أن هذه العلة منتقضة بالطواف، لأنه مفروض في موضع معين، ولو عدا رجل خلف غريم له يوم النحر حوالي البيت لم يكن طائفا طواف الزيارة، وكذلك لو كان يسقي الناس هناك وبين الصفا والمروة لم يجزه ذلك من الواجب. فإذا كانت هذه العلة غير موجبة للحكم في معلولها من الطواف والسعي فبأن لا يوجب حكمها فيما ليست فيه موجودة أولى، وعلى أن الطهارة مخالفة للصوم، لما بينا من أنها غير مفروضة لنفسها وإنما هي شرط لغيرها لا على وجه البدل، فلم تجب أن تكون النية شرطا فيها، كأنه قيل: لا تصل إلا وأنت طاهر من الحدث ومن النجاسة، ولا تصل إلا مستور العورة. وليس شرط غسل النجاسة وستر العورة النية، كذلك الطهارة بالماء، وأما الصوم فإنه مفروض مقصود لعينه كسائر الفروض التي ذكرنا، فوجب أن يكون شرط صحته إيجاد النية له. ومعنى آخر، وهو أنا قد علمنا أن الصوم على ضربين: منه الصوم اللغوي، ومنه الصوم الشرعي، وأن أحدهما