الصوم الشرعي، ولا دلالة فيه على أن الإمساك عن غيرها ليس من الصوم، بل هو موقوف على دلالته. وقد ثبت بالسنة واتفاق علماء الأمة أن الإمساك عن غير هذه الأشياء من الصوم الشرعي على ما سنبينه إن شاء الله تعالى. ومما هو من شرائط لزوم الصوم الشرعي وإن لم يكن هو إمساكا ولا صوما الاسلام والبلوغ إذ لا خلاف أن الصغير غير مخاطب بالصوم في أحكام الدنيا، فإن الكافر وإن كان مخاطبا به معاقبا على تركه فهو في حكم من لم يخاطب به في أحكام الدنيا، فإنه لا يجب عليه قضاء المتروك منه في حال الكفر. وطهر المرأة عن الحيض من شرائط تكليف صوم الشهر، وكذلك العقل والإقامة والصحة، وإن وجب القضاء في الثاني. والعقل مختلف فيه على ما بينا من أقاويل أهل العلم في المجنون في رمضان.
والنية من شرائط صحة سائر ضروب الصوم، وهو على ثلاثة أنحاء: صوم مستحق العين، وهو صوم رمضان ونذر يوم بعينه، وصوم التطوع، وصوم في الذمة. فالصوم المستحق العين وصوم التطوع يجوز فيهما ترك النية من الليل إذا نواه قبل الزوال، وما كان في الذمة فغير جائز إلا بتقدمة النية من الليل، وقال زفر: (يجوز صوم رمضان بغير نية)، وقال مالك: (يكفي للشهر كله نية واحدة). وإنما قلنا إن بلع الحصاة ونحوها يوجب الإفطار وإن لم يكن مأكولا في العادة وأنه ليس بغذاء ولا دواء، من قبل أن قوله:
(ثم أتموا الصيام إلى الليل) [البقرة: 187] قد انطوى تحته الأكل، فهو عموم في جميع ما أكل، ولا خلاف أنه لا يجوز له بلع الحصاة مع اختلافهم في إيجاب الافطار واتفاقهم على أن النهي عن بلع الحصاة صدر عن الآية فيوجب ذلك أن يكون مرادا بها، فاقتضى إطلاق الأمر بالصيام عن الأكل والشرب دخول الحصاة فيه كسائر المأكولات. فمن حيث دلت الآية على وجوب القضاء في سائر المأكولات فهي دالة أيضا على وجوبه في أكل الحصاة. ويدل عليه أيضا قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أكل أو شرب ناسيا فلا قضاء عليه)..
وهذا يدل على أن حكم سائر ما يأكله لا يختلف في وجوب القضاء إذا أكله عمدا، وأما السعوط والدواء الواصل بالجائفة أو الآمة فالأصل فيه حديث لقيط بن صبرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: (بالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما) فأمره بالمبالغة في الاستنشاق ونهاه عنها لأجل الصوم، فدل ذلك على أن ما وصل بالاستنشاق إلى الحلق أو إلى الدماغ أنه يفطر، لولا ذلك لما كان لنهيه عنها لأجل الصوم معنى مع أمره بها في غير الصوم. وصار ذلك أصلا عند أبي حنيفة في إيجاب القضاء في كل ما وصل إلى الجوف واستقر فيه مما يستطاع الامتناع منه، سواء كان وصوله من مجرى الطعام والشراب أو من مخارق البدن التي هي خلقة في بنية الانسان أو من غيرها، لأن المعنى في الجميع وصوله إلى الجوف