تفسير مقاتل بن سليمان - مقاتل بن سليمان - ج ٣ - الصفحة ٤٦٥
وذلك أن الله عز وجل إذا جمع الخلائق يوم القيامة، فإنهم يومج بعضهم في بعض، مقدار ثلاث مائة سنة، حتى إذا استوى الرب جل وعز على كرسيه ليحاسب خلقه، فإذا جاء الرب تبارك وتعالى والملائكة صفا صفا، فينظرون إلى الجنة، وإلى النار، ويجاء بالنار، من مسيرة خمس مائة عام، عليها تسعون ألف زمام، في كل زمام سبعون ألف ملك، متعلق يحبسونها عن الخلائق، طول عنق أحدهم مسيرة سنة، وغلظها مسيرة سنة، ما بين منكبي أحدهم مسيرة خمسين سنة، وجوههم مثل الجمر، وأعينهم مثل البرق، إذا تكلم أحدهم، تناثرت من فيه النار، بيد كل واحد منهم مرزبة، عليها ثلاث مائة وستون رأسا، كأمثال الجبال، هي أخف بيده من الريشة، فيجئون بها فيسوقونها، حتى تقام عن يسار العرش.
ويجاء بالجنة يزفونها كما تزف العروس إلى زوجها، حتى تقام عن يمين العرش، فإذا ما عاين الخلائق النار، وما أعد الله لأهلها، ونظروا إلى ربهم وسكتوا، فانقطعت عند ذلك أصواتهم، فلا يتكلم أحد منهم من فرق الله وعظمته، ولما يرون من العجائب من الملائكة، ومن حملة العرش، ومن أهل السماوات، ومن جهنم، ومن خزنتها، فانقطعت أصواتهم عند ذلك.
وترتعد مفاصلهم، فإذا علم الله ما أصاب أولياءه من الخوف، وبلغت القلوب الجناجر، فيقوم مناد عن يمين العرش، فينادى: * (يا عباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون) * [الزخرف: 68]، فيرفع عند ذلك الإنس والجن كلهم رؤوسهم والمؤمنون والكفار، لأنهم عباده كلهم، ثم ينادى في الثانية: * (الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين) * [الزخرف: 69]، فيرفع المؤمنون رؤوسهم، وينكس أهل الأديان كلهم رؤوسهم، والناس سكوت مقدار أربعين عاما، فذلك قوله: * (هذا يوم لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون) * [المرسلات: 35]، 36].
وقوله: * (لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا) * [النبأ: 38]، وقال: لا إله إلا الله، فذلك الصواب، وقوله: * (وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا) * [طه: 108]، فلا يجبهم الله، ولا يكلمهم، ولا يتكلمون هم مقدار أربعين سنة، يقول بعد ذلك لملك من الملائكة، وهو جبريل، عليه السلام:
ناد الرسل وابدأ بالأمى، قال: فيقوم الملك، فينادى عند ذلك اين النبي الأمي؟ فتقول الأنبياء عند ذلك:
كلنا نبيون وأميون فبين بين، فيقول النبي العرب الأمى الحرمى، فيقوم عند ذلك رسول
(٤٦٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 460 461 462 463 464 465 466 467 468 469 470 ... » »»