تفسير مقاتل بن سليمان - مقاتل بن سليمان - ج ١ - الصفحة ٢٦٩
غلف) *، وذلك حين سمعوا من النبي صلى الله عليه وسلم: * (وقتلهم الأنبياء) * عرفوا أن الذي قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم حق، وقالوا: * (قلوبنا غلف) *، يعني في أكنة عليها الغطاء، فلا تفقه ولا تفهم ما تقول يا محمد، كراهية ما سمعوا من النبي صلى الله عليه وسلم من كفرهم بالإنجيل والفرقان، يقول الله تعالى: * (بل طبع عليها بكفرهم) *، يعني ختم على قلوبهم، * (فلا يؤمنون إلا قليلا) * [آية: 155]، يقول: ما أقل ما يؤمنون، فإنهم لا يؤمنون البتة.
* (وبكفرهم وقولهم على مريم بهتانا عظيما) * [آية: 156]، وذلك أن اليهود قذفوا مريم، عليها السلام، بيوسف بن ماثان بالزنا، وكان ابن عمها، وكان قد خطبها، ومريم ابنة عمران بن ماثان، * (وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم) *، ولم يقولوا:
رسول الله، ولكن الله عز وجل قال: * (رسول الله) *، ثم قال تعالى: * (وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم) * بصاحبهم الذي قتلوه، وكان الله عز وجل قد جعله على صورة عيسى فقتلوه، وكان المقتول لطم عيسى، وقال لعيسى حين لطمه، أتكذب على الله حين تزعم أنك رسوله، فلما أخذه اليهود ليقتلوه، قال لليهود: لست بعيسى، أنا فلان، واسمه يهوذا، فكذبوه وقالوا له: أنت عيسى، وكانت اليهود جعلت المقتول رقيبا على عيسى صلى الله عليه وسلم، فألقى الله تعالى ذكره شبهه على الرقيب فقتلوه.
ثم قال سبحانه: * (وإن الذين اختلفوا فيه) *، يعني في عيسى، وهم النصارى، فقال بعضهم: قتله اليهود، وقال بعضهم: لم يقتل، * (لفي شك منه) * في شك من قتله، * (ما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقينا) * [آية: 157]، يقول: وما قتلوا ظنهم يقينا، يقول: لم يستيقنوا قتله، كقول الرجل: قتلته علما، فأكذب الله عز وجل اليهود في قتل عيسى صلى الله عليه وسلم، فقال عز وجل: * (بل رفعه الله إليه) * إلى السماء حيا في شهر رمضان في ليلة القدر، وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة، رفع إلى السماء من جبل بيت المقدس، فذلك قوله سبحانه: * (بل رفعه الله إليه) * * (وكان الله عزيزا حكيما) * [آية:
158]، يعني عزيزا منيعا حين منع عيسى من القتل، حكيما حين حكم رفعه، قال:
وترك عيسى صلى الله عليه وسلم بعد رفعه خفين، ومدرعة، وحذافة يحذف بها الطير، وقالت عائشة، رضي الله عنها: وترك رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد موته إزارا غليظا، وكساء، ووسادة أدم حشوها ليف.
* (وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن) *، يعني وما من أهل الكتاب، يعني اليهود، إلا
(٢٦٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 264 265 266 267 268 269 270 271 272 273 274 ... » »»