تفسير شبر - السيد عبد الله شبر - الصفحة ٣٧٦
بطرت معيشتها فتلك مسكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلا وكنا نحن الوارثين * (58) * وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا يتلوا عليهم آياتنا وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون * (59) * وما أوتيتم من شئ فمتع الحياة الدنيا وزينتها وما عند الله خير وأبقى أفلا تعقلون * (60) * أفمن وعدنه وعدا حسنا فهو لقيه كمن متعناه متاع الحياة الدنيا ثم هو يوم القيامة من المحضرين * (61) * ويوم يناديهم فيقول أين شركاءى الذين كنتم تزعمون * (62) * قال الذين حق عليهم القول ربنا هؤلاء الذين أغوينا أغوينهم كما غوينا تبرأنا إليك ما كانوا إيانا يعبدون * (63) * وقيل ادعوا شركاءكم فدعوهم فلم يستجيبوا لهم ورأوا العذاب لو أنهم كانوا يهتدون * (64) * ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين * (65) * فعميت عليهم الأنباء يومئذ فهم لا يتساءلون * (66) * فأما من تاب وآمن وعمل صلحا فعسى أن يكون من المفلحين * (67) * وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله وتعالى عما يشركون * (68) * وربك يعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون * (69) * وهو الله لا إله إلا هو
____________________
(بطرت معيشتها) أي كانوا مثلكم في الأمن وسعة الرزق فبطروا فأهلكناهم (فتلك مساكنهم) خربة (لم تسكن من بعدهم إلا قليلا) من السكنى للمارة يوما أو ساعة (وكنا نحن الوارثين) لها منهم (وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها (1)) في أصلها التي هي توابعها (رسولا يتلو عليهم آياتنا) لإلزام الحجة وفيه التفات (وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون) بالكفر وتكذيب الرسل (وما أوتيتم من شئ) من أعراض الدنيا (فمتاع الحياة الدنيا وزينتها) تتمتعون به وتتزينون به أيام حياتكم الفانية (وما عند الله) وهو ثوابه (خير) في نفسه من ذلك (وأبقى) لأنه سرمد (أفلا تعقلون (2)) ذلك فتؤثروا الخير الباقي (أفمن وعدناه وعدا حسنا) وهو الثواب الباقي (فهو لاقيه) مدركة لا محالة (كمن متعناه متاع الحياة الدنيا) المنغص بالآلام (ثم هو يوم القيامة من المحضرين) للنار أي لا يستويان (ويوم) واذكر يوم (يناديهم) الله (فيقول) توبيخا لهم (أين شركائي الذين كنتم تزعمون) تزعمونهم شركائي (قال الذين حق) وجب (عليهم القول) الوعيد أي مقتضاه وهو العذاب (ربنا هؤلاء) مبتدأ (الذين أغوينا) خبره (أغويناهم) بالوسوسة فغووا باختيارهم غيا (كما غوينا) مثل غينا باختيارنا ولم نقرهم على الغي (تبرأنا إليك) منهم (ما كانوا إيانا يعبدون) وإنما كانوا يعبدون أهواءهم (وقيل ادعوا شركاءكم) من جعلتموه شركاء لله (فدعوهم فلم يستجيبوا لهم) دعاءهم (ورأوا العذاب لو أنهم كانوا يهتدون) إلى إله الحق لما رأوه أو لعلموا أن العذاب حق أو تمنوا لو كانوا مهتدين (ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين) تبكيت بتكذيبهم الرسل (فعميت عليهم الأنباء يومئذ) فصارت الأخبار كالعمى عليهم لا يهتدي إليهم فعجزوا عن الجواب (فهم لا يتساءلون) لا يسأل بعضهم بعضا عنه لدهشتهم إذ الرسل تذهل عن جواب مثل هذا السؤال فنكله إلى علمه تعالى فما ظنك بالضلال (فأما من تاب) من الشرك (وآمن وعمل صالحا) شفع الإيمان بالعمل (فعسى أن يكون من المفلحين) يومئذ وعسى وجوب من الله أو ترج من التائب (وربك يخلق ما يشاء ويختار) ما يشاء (ما كان لهم الخيرة) ليس لأحد من خلقه أن يختار عليه بل له الخيرة عليهم لعلمه بالمصالح (سبحان الله وتعالى عما يشركون) عن إشراكهم الحامل لهم أن يختاروا عليه ما لا يختار، وفيه رد على من جعل الإمامة باختيار الخلق (وربك يعلم ما تكن صدورهم) من عداوتك (وما يعلنون) من طعنهم فيك أو الأعم منهما (وهو الله) المعبود بالحق (لا إله إلا هو) لا معبود بحق غيره...

(1) إمها: بكسر الهمزة والميم. وإمها بكسر الهمزة وضم الميم.
(2) يعقلون.
(٣٧٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 371 372 373 374 375 376 377 378 379 380 381 ... » »»