تفسير شبر - السيد عبد الله شبر - الصفحة ٥
ولذا اقتضت الحكمة الإلهية " ولله الحكمة البالغة أن يكون القرآن الكريم هو المعجز المعنون والذي عليه المدار في الحجة لرسالة خاتم النبيين وصفوة المرسلين صلوات الله عليهم أجمعين. فإنه جحد على العرب بإعجازه ببلاغته وبعجزهم عن الاتيان بمثله أو بسورة من مثله. وبخضوعهم لاعجازه وهم الخبراء في ذلك يكون أيضا حجة على غيرهم في ذلك. وأنه هو الذي يدخل في حكمة المعجز والاعجاز في شمول الدعوة للعرب وابتدائها بهم بحسب سيرها الطبيعي على الحكمة وبه نتم فائدة المعجزة على وجهها.
" امتيازه عن غيره من المعجزات " مضافا إلى أنه امتاز عن غيره من المعجزات وفاق عليها بأكبر الأمور الجوهرية في شؤون النبوة والرسالة ودعوتها فمن ذلك أنه باق مدى السنين مثل بصورته ومادته لكل من يريد أن يطلع عليه وممارس أمره وينظر في أمره ويعرف كنهه وحقيقته. فهو باد في كل آن ومكان لكل من يطلب الحجة على النبوة والرسالة ويريد النظر في حقيقة معجزها الشاهد لصدقها. مائل لكل من يريد النظر في الحقائق ولا تحتاج معرفة حقيقته ووجه إعجازه إلى أساطير النقل ومماراة قال أو قيل. فلا يحتمل أمره إنه دبرت دعواه بليل. ولا يستراب من أمره باحتمال التمويه بل ينادى هو بنفسه في كل زمان ومكان (هذا جناي وخياره فيه) وكله خيار فائق متفوق ومن ذلك إنه بنفسه ولسانه وصريح بيانه قد تكفل بالاثبات لجميع المقدمات التي تنتظم منها الحجة على الرسالة الخاصة وشهادة إعجازه لها ولم يوكل أمر ذلك إلى غيره مما يختلج فيه الربب وتعرض فيه الشبهات وتطول فيه مسافة الاحتجاج وتكثر صعوباته فالتفت واعرف ذلك من أمور:
(الأول) أنه تكفل ببيان دعوى النبي للنبوة والرسالة في سائر النبوات.
(الثاني) أنه تكفل في صراحة بيانه بالشهادة للنبوة والرسالة فلم تبق حاجة لدلالة العقل ودفع الشبهات عنها.
(الثالث) أنه تكفل في صراحته المتكررة ببيانه لكمالات مدعى رسالته وأطرى بصلاحه وأخلاقه الفائقة كما هو معروف. فمهد المقدمات اللازمة في البيان. وصورة الاحتجاج بأنه لو كان كاذبا لكان ظهور المعجزة من الاغراء بالجهل القبيح الممتنع لقبحه على جلال الله وقدسه تعالى شأنه وإليك فاسمع بعض ما جاء في القرآن في بيان هذه الأمور الثلاثة. ففي سورة الأعراف (157: قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا) وسورة النجم المكية من الآية الثانية إلى الخامسة (ما ضل صاحبكم وما غوى وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحى) وفى سورة الفتح (29:
محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار) وفى سورة الأحزاب (40: ما كان محمدا أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين) وفى أوائل سورة القلم المكية (ما أنت بنعمة ربك بمجنون وأن لك لاجرا غير ممنون وإنك لعلى خلق عظيم - إلى قوله تعالى إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين) وقوله تعالى (ودوا لو تداهن فيدهنون) وفى سورة الأعراف (156: يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر) وفى سورة الأحزاب (44 و 45 يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا).
(الأمر الرابع) أنه تكفل بنفسه دفع الموانع عن الرسالة والنبوة. إذ بين مواد الدعوة وأساسياتها ومعارفها وقوانينها الجارية بأجمعها على المعقول عن عرفانيها وأخلاقيها واجتماعيها وسياسيها فلا يوجد فيها ما يخالف المعقول ليكون مانعا عن النبوة وفى سورة الإسراء المكية (9: إن هذا القرآن يهدى للتي هي أقوم) ودونك القران الكريم وحقق وتبصر وتنور فيما تضمنه من هذه المواد الشريفة (إن هذا القرآن يهدى للتي هي أقوم).
(الأمر الخامس) إنه زاد على كونه معجزا بنفسه بأن كرر النداء والمصارحة في الاحتجاج بإعجازه وتحدى الناس وأعلن بالحجة وهتف بهم هتافا مكررا مؤكدا بأن يعارضوه لو لم يكن معجزا ويأتوا بمثله أو بعشر سور أو سورة
(٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... تقديم 7 1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 ... » »»