تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٢٠ - الصفحة ١٦٦
والمعنى: إن يوم فصل القضاء الذي نبؤه نبأ عظيم كان في علم الله يوم خلق السماوات والأرض وحكم فيها النظام الجاري حدا مضروبا ينتهي إليه هذا العالم فإنه تعالى كان يعلم أن هذه النشأة التي أنشأها لا تتم إلا بالانتهاء إلى يوم يفصل فيه القضاء بينهم.
قوله تعالى: " يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجا " قد تقدم الكلام في معنى نفخ الصور كرارا، والأفواج جمع فوج وهي الجماعة المارة المسرعة على ما ذكره الراغب.
وفي قوله: " فتأتون أفواجا " جري على الخطاب السابق الملتفت إليه قضاء لحق الوعيد الذي يتضمنه قوله: " كلا سيعلمون " وكان الآية ناظرة إلى قوله تعالى: " يوم ندعوا كل أناس بإمامهم " أسرى: 71.
قوله تعالى: " وفتحت السماء فكانت أبوابا " فاتصل به عالم الانسان بعالم الملائكة.
وقيل: التقدير فكانت ذات أبواب، وقيل: صار فيها طرق ولم يكن كذلك من قبل، ولا يخلو الوجهان من تحكم فليتدبر.
قوله تعالى: " وسيرت الجبال فكانت سرابا " السراب هو الموهوم من الماء اللامع في المفاوز ويطلق على كل ما يتوهم ذا حقيقة ولا حقيقة له على طريق الاستعارة.
ولعل المراد بالسراب في الآية هو المعنى الثاني.
بيان ذلك: أن تسيير الجبال ودكها ينتهي بالطبع إلى تفرق أجزائها وزوال شكلها كما وقع في مواضع من كلامه تعالى عند وصف زلزلة الساعة وآثارها إذ قال: " وتسير الجبال سيرا " الطور: 10 وقال: " وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة " الحاقة: 14، وقال: " وكانت الجبال كثيبا مهيلا " المزمل 14، وقال: " وتكون الجبال كالعهن المنفوش " القارعة: 5، وقال: " وبست الجبال بسا " الواقعة: 5، وقال: " وإذا الجبال نسفت " المرسلات: 10.
فتسيير الجبال ودكها ينتهي بها إلى بسها ونسفها وصيرورتها كثيبا مهيلا وكالعهن المنفوش كما ذكره الله تعالى وأما صيرورتها سرابا بمعنى ما يتوهم ماء لامعا فلا نسبة بين التسيير وبين السراب بهذا المعنى.
نعم ينتهي تسييرها إلى انعدامها وبطلان كينونتها وحقيقتها بمعنى كونها جبلا فالجبال الراسيات التي كانت ترى حقائق ذوات كينونة قوية لا تحركه العواصف تتبدل بالتسيير
(١٦٦)
مفاتيح البحث: الجماعة (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 161 162 163 164 165 166 167 168 169 170 171 ... » »»
الفهرست