تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٢٠ - الصفحة ١٠٤
وجواب القسم محذوف يدل عليه الآيات التالية، والتقدير ليبعثن، وإنما حذف للدلالة على تفخيم اليوم وعظمة أمره قال تعالى: " ثقلت في السماوات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة " الأعراف: 187، وقال: " إن الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى " طه 15، وقال: " عم يتساءلون عن النبأ العظيم " النباء: 1.
قوله تعالى: " أيحسب الانسان أن لن نجمع عظامه " الحسبان الظن، وجمع العظام كناية عن الاحياء بعد الموت، والاستفهام للتوبيخ، والمعنى ظاهر.
قوله تعالى: " بلى قادرين على أن نسوي بنانه " أي بلى نجمعها " وقادرين " حال من فاعل مدخول بلى المقدر، والبنان أطراف الأصابع وقيل: الأصابع وتسوية البنان تصويرها على ما هي عليها من الصور، والمعنى بلى نجمعها والحال أنا قادرون على أن نصور بنانه على صورها التي هي عليها بحسب خلقنا الأول.
وتخصيص البنان بالذكر - لعله - للإشارة إلى عجيب خلقها بما لها من الصور وخصوصيات التركيب والعدد تترتب عليها فوائد جمة لا تكاد تحصى من أنواع القبض والبسط والاخذ والرد وسائر الحركات اللطيفة والأعمال الدقيقة والصنائع الظريفة التي يمتاز بها الانسان من سائر الحيوان مضافا إلى ما عليها من الهيئات والخطوط التي لا يزال ينكشف للانسان منها سر بعد سر.
وقيل: المراد بتسوية البنان جعل أصابع اليدين والرجلين مستوية شيئا واحدا من غير تفريق كخف البعير وحافر الحمار، والمعنى قادرين على أن نجعلها شيئا واحدا فلا يقدر الانسان حينئذ على ما يقدر عليه مع تعدد الأصابع من فنون الأعمال، والوجه المتقدم أرجح.
قوله تعالى: " بل يريد الانسان ليفجر أمامه " قال الراغب: الفجر شق الشئ شقا واسعا. قال: والفجور شق ستر الديانة يقال: فجر فجورا فهو فاجر وجمعه فجار وفجرة. انتهى، و " أمام " ظرف مكان استعير لمستقبل الزمان، والمراد من فجوره أمامه فجوره مدى عمره وما دام حيا، وضمير " أمامه " للانسان.
وقوله: " ليفجر أمامه " تعليل ساد مسد معللة وهو التكذيب بالبعث والاحياء بعد الموت، و " بل " إضراب عن حسبانه عدم البعث والاحياء بعد الموت.
(١٠٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 99 100 101 102 103 104 105 106 107 108 109 ... » »»
الفهرست