فقد تبين بما قدمناه على طوله أن للانسان شاكلة بعد شاكلة فشاكلة يهيؤها نوع خلقته وخصوصية تركيب بنيته، وهي شخصية خلقية متحصلة من تفاعل جهازاته البدنية بعضها مع بعض كالمزاج الذي هو كيفية متوسطة حاصلة من تفاعل الكيفيات المتضادة بعضها في بعض.
وشاكلة أخرى ثانية وهي شخصية خلقية متحصلة من وجوه تأثير العوامل الخارجية في النفس الانسانية على ما فيها من الشاكلة الأولى إن كانت. والانسان على أي شاكلة متحصلة وعلى أي نعت نفساني وفعليه داخلية روحية كان فإن عمله يجرى عليها وأفعاله تمثلها وتحكيها كما أن المتكبر المختال يلوح حاله في تكلمه وسكوته وقيامه وقعوده وحركته وسكونه، والذليل المسكين ظاهر الذلة والمسكنة في جميع أعماله وكذا الشجاع والجبان والسخي والبخيل والصبور والوقور والعجول وهكذا وكيف لا والفعل يمثل فاعله والظاهر عنوان الباطن والصورة دليل المعنى.
وكلامه سبحانه يصدق ذلك ويبني عليه حججه في موارد كثيرة كقوله تعالى:
" وما يستوى الأعمى والبصير ولا الظلمات ولا النور ولا الظل ولا الحرور وما يستوى الاحياء ولا الأموات " فاطر: 22 وقوله: " الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات: النور: 36 إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة.
وقوله تعالى: " كل يعمل على شاكلته محكم في معناه على أي معنى حملنا الشاكلة غير أن اتصال الآية بقوله: " وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا " ووقوعها في سياق أن الله سبحانه يربح المؤمنين ويشفيهم بالقرآن الكريم والدعوة الحقة ويخسر به الظالمين لظلمهم يقرب كون المراد بالشاكلة الشاكلة بالمعنى الثاني وهي الشخصية الخلقية الحاصلة للانسان من مجموع غرائزه والعوامل الخارجية الفاعلة فيه.
كأنه تعالى لما ذكر استفادة المؤمنين من كلامه الشفاء والرحمة وحرمان الظالمين من ذلك وزيادتهم في خسارهم اعترضه معترض في هذه التفرقة وأنه لو سوى بين