تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٨ - الصفحة ٣٤٨
ذلك البتة فهو فيما جاء به نذير لا مجنون، والجنة بناء نوع من الجنون على ما قيل وإن كان من الجائز إن يكون المراد به الفرد من الجن بناء على ما يزعمونه أن المجنون يحل فيه بعض الجن فيتكلم من فيه وبلسانه.
قوله تعالى: " أ ولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض " إلى آخر الآية قد مر كرارا أن الملكوت في عرف القرآن على ما يظهر من قوله تعالى: " إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون فسبحان الذي بيده ملكوت كل شئ " يس: 83 هو الوجه الباطن من الأشياء الذي يلي جهة الرب تعالى، وأن النظر إلى هذا الوجه واليقين متلازمان كما يفهم من قوله: " وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين " الانعام: 75.
فالمراد توبيخهم في الاعراض والانصراف عن الوجه الملكوتي للأشياء لم نسوه ولم ينظروا فيه حتى يتبين لهم أن ما يدعوهم إليه هو الحق؟
وقوله: " وما خلق الله من شئ " عطف على موضع السماوات، وقوله " من شئ " بيان لما الموصولة، ومعنى الآية: لم لم ينظروا في خلق السماوات والأرض وأي شئ آخر مما خلقه الله؟ لكن لا من الوجه الذي يلي الأشياء حتى ينتج العلم بخواص الأشياء الطبيعية بل من جهة أن وجوداتها غير مستقلة بنفسها مرتبطة بغيرها محتاجة إلى رب يدبر أمرها وأمر كل شئ، وهو رب العالمين.
وقوله: " وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم " عطف على قوله " ملكوت " الآية لكونه في تأويل المفرد والتقدير: أ ولم ينظروا في أنه عسى أن يكون قد اقترب أجلهم فإن النظر في هذا الاحتمال ربما صرفهم عن التمادي على ضلالهم وغيهم فأغلب ما يصرف الانسان عن الاشتغال بأمر الآخرة، ويوجه وجهه إلى الاغترار بالدنيا نسيان الموت الذي لا يدري متى يرد رائده، وأما إذا التفت إلى ذلك وشاهد جهله بأجله وأن من المرجو المحتمل أن يكون قد اقترب منهم فإنه يقطع منابت الغفلة ويمنعه عن اتباع الهوى وطول الامل.
وقوله: " فبأي حديث بعده يؤمنون " الضمير للقرآن على ما يستدعيه السياق، وفي الكلام ايئاس من إيمانهم بالمرة أي إن لم يؤمنوا بالقرآن وهو تجليه سبحانه عليهم
(٣٤٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 343 344 345 346 347 348 349 350 351 352 353 ... » »»
الفهرست