التفسير الصافي - الفيض الكاشاني - ج ٦ - الصفحة ٢١
رسول الله (صلى الله عليه وآله) حين أجلى بني النضير، وهم بطن من اليهود من المدينة، وكان رئيسهم حيي بن أخطب، وهم يهود من بني هارون على نبينا وآله وعليه السلام، فلما أجلاهم من المدينة صاروا إلى خيبر، وخرج حيي بن أخطب إلى قريش بمكة، وقال لهم: إن محمدا قد وتركم ووترنا، وأجلانا من المدينة من ديارنا وأموالنا، وأجلا بني عمنا بني قينقاع فسيروا في الأرض واجمعوا حلفاءكم وغيرهم حتى نسير إليهم، فإنه قد بقي من قومي بيثرب سبع مائة مقاتل وهم بنو قريظة، وبينهم وبين محمد عهد وميثاق، وأنا أحملهم على نقض العهد بينهم وبين محمد، ويكونون معنا عليهم فتأتونه أنتم من فوق، وهم من أسفل، وكان موضع بني قريظة من المدينة على قدر ميلين، وهو الموضع الذي يسمى ببئر بني المطلب، فلم يزل يسير معهم حيي بن أخطب في قبائل العرب حتى اجتمعوا قدر عشرة آلاف من قريش، وكنانة، والأقرع بن حابس في قومه، وعباس بن مرداس في بني سليم، فبلغ ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فاستشار أصحابه وكانوا سبعمائة رجل. فقال سلمان الفارسي (رضي الله عنه): يا رسول الله إن القليل لا يقاوم الكثير في المطاولة، قال: فما نصنع؟ قال نحفر خندقا يكون بينك وبينهم حجابا فيمكنك معهم المطاولة، ولا يمكنهم أن يأتونا من كل وجه فإنا كنا معاشر العجم في بلاد فارس إذا دهمنا دهم من عدونا نحفر الخنادق فتكون الحرب من مواضع معروفة. فنزل جبرئيل (عليه السلام) على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: أشار بصواب، فأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بمسحه من ناحية أحد إلى راتج (1) وجعل على كل عشرين خطوة وثلاثين خطوة قوم من المهاجرين والأنصار يحفرونه، فأمر فحملت المساحي والمعاول وبدأ رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأخذ معولا فحفر في موضع المهاجرين بنفسه، وأمير المؤمنين (عليه السلام) ينقل التراب من الحفرة حتى عرق رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعيي (2)، وقال: لا عيش إلا عيش الآخرة، اللهم اغفر للمهاجرين والأنصار، فلما نظر الناس رسول الله (صلى الله عليه وآله) يحفر اجتهدوا في الحفر ونقلوا التراب، فلما كان في اليوم الثاني بكروا إلى الحفر وقعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) في مسجد الفتح، فبينا المهاجرون والأنصار يحفرون إذ عرض لهم جبل لم تعمل المعاول فيه، فبعثوا جابر ابن عبد الله الأنصاري (رضي الله عنه) إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) يعلمه بذلك. قال جابر: فجئت إلى المسجد

١ - راتج: أطم من آطام اليهود بالمدينة وتسمى الناحية به له ذكر في كتب المغازي والأحاديث. معجم البلدان:
ج ٣
، ص ١٢. ٢ - عيي من باب تعب: عجز عنه ولم يهتد لوجه مراده. مجمع البحرين: ج ١، ص 311.
(٢١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 ... » »»