كثيرا، عهدنا إليهم في نعتك وصفتك، وأمرنا الأول بالإبلاغ للناس إلى الثاني، فامتد بهم الزمان فنسوا عهدنا إليهم فيك.
(وما كنت ثاويا في أهل مدين تتلو عليهم آياتنا) معناه: وما كنت مقيما في قوم شعيب، تتلو عليهم آياتنا. قال مقاتل معناه ولم تشهد أهل مدين فتقرأ على أهل مكة خبرهم. (ولكنا كنا مرسلين) أي: أرسلناك إلى أهل مكة، وأنزلنا عليك هذه الأخبار، ولولا ذلك لما علمتها. قال الزجاج: المعنى أنك لم تشاهد قصص الأنبياء، ولا تليت عليك، ولكنا أوحيناها إليك، وقصصناها عليك، حتى تخبر قومك بهذا، فيدل ذلك على صحة نبوتك. وقيل: معناه أنك لم تشهد إحساننا إلى عبادنا في إرسال الرسل، ونصب الآيات، وإنزال الكتب بالبينات والهدى. وهذا كما يقال: لم تدر أي شئ كان هناك، تفخيما للأمر. ولولا الوحي لما علمت من ذلك ما علمت، ولم تهتد له.
(وما كنت بجانب الطور إذ نادينا) أي: ولم تك حاضرا بناحية الجبل الذي كلمنا عليه موسى، وناديناه: يا موسى خذ الكتاب بقوة. وقيل: أراد بذلك المرة الثانية التي كلم الله فيها موسى عليه السلام، حين اختار من قومه سبعين رجلا، ليسمعوا كلام الله تعالى. (ولكن رحمة من ربك) أي: ولكن الله تعالى أعلمك ذلك، وعرفك إياه نعمة من ربك أنعم بها عليك، وهو أن بعثك نبيا، واختارك لإيتاء العلم بذلك، معجزة لك.
(لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك) أي: لتنذر العرب الذين لم يأتهم رسول قبلك. (لعلهم يتذكرون) أي: لكي يتفكروا ويعتبروا، وينزعوا عن المعاصي. وفي هذا دلالة على وجوب فعل اللطف، فإن الإنذار والدعوة لطف من الله تعالى، مؤثر في القبول، ومقرب منه. (ولولا أن تصيبهم مصيبة بما قدمت أيديهم فيقولوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك ونكون من المؤمنين) معناه.
لولا أن لهم أن يحتجوا لو أصابتهم عقوبة بأن يقولوا: هلا أرسلت إلينا رسولا يدعونا إلى ما يجب الإيمان به، فنتبع الرسول، ونأخذ بشريعته، ونصدق به، لما أرسلنا الرسل، ولكنا أرسلنا رسلا لقطع حجتهم. وهو في معنى قوله: (لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل). وقيل: إن جواب (لولا) ههنا: (لعجلنا لهم العقوبة). وقيل: المراد بالمصيبة ههنا: عذاب الاستئصال. وقيل: عذاب الدنيا