تفسير جوامع الجامع - الشيخ الطبرسي - ج ١ - الصفحة ٨٨
الإنسان من لحوق (1) ما يعاب به ويذم، واشتقاقه من الحياة، يقال: حيي الرجل، كما يقال: نسي وحشي وشظي الفرس: إذا اعتلت منه هذه الأعضاء، وجعل الحيي لما يعتريه من الانكسار منتقص الحياة، فمثل تركه سبحانه تخييب العبد لكرمه بترك من يترك رد المحتاج إليه حياء منه، وكذلك المعنى في الآية: أن الله تعالى لا يترك ضرب المثل بالبعوضة ترك من يستحيي أن يتمثل بها لحقارتها.
و * (ما) * هذه إبهامية وهي التي إذا اقترنت بنكرة زادته شياعا، تقول: أعطني شيئا ما، أو هي صلة زيدت للتأكيد نحو التي في قوله: * (فبما رحمة) * (2)، والمعنى: أن الله لا يستحيي ولا يترك أن يتمثل للأنداد بما لا شئ أصغر منه وأقل، وانتصب * (بعوضة) * بأنها عطف بيان أو مفعول ل‍ * (يضرب) *، و * (مثلا) * حال عن النكرة مقدمة عليه، أو انتصبا مفعولين ل‍ * (يضرب) *، لأنه أجري مجرى جعل.
* (فما فوقها) * فيه معنيان: أحدهما: فما تجاوزها وزاد عليها في المعنى الذي ضربت فيه مثلا وهو القلة والحقارة، والآخر: فما زاد عليها في الحجم، و * (الحق) *: الثابت الذي لا يسوغ إنكاره، يقال: حق الأمر إذا ثبت ووجب، و * (ماذا) * فيه وجهان: أحدهما: أن يكون " ذا " اسما موصولا بمعنى " الذي " فتكون كلمتين، والآخر: أن يكون " ذا " مركبة مع " ما " فتكون كلمة واحدة، والضمير في * (أنه الحق) * للمثل أو ل‍ * (أن يضرب) * و * (مثلا) * نصب على التمييز.
سورة البقرة / 27 وقوله: * (يضل به كثيرا ويهدى به كثيرا) * جار مجرى التفسير والبيان للجملتين المتقدمتين، وأن فريق العالمين بأنه الحق وفريق الجاهلين المستهزئين به كلاهما موصوف بالكثرة، وأن العلم بكونه حقا من باب الهدى، وأن الجهل

(١) في بعض النسخ: تخوف.
(٢) آل عمران: ١٥٩.
(٨٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 83 84 85 86 87 88 89 90 91 92 93 ... » »»