تفسير جوامع الجامع - الشيخ الطبرسي - ج ١ - الصفحة ٧٨
والفرق بين أذهبه وذهب به: أن معنى " أذهبه ": أزاله وجعله ذاهبا، و " ذهب به ": استصحبه ومضى به معه، قال: * (فلما ذهبوا به) * (1)، فالمعنى: أخذ الله نورهم وأمسكه، وما يمسك الله فلا مرسل له، فهو أبلغ من الإذهاب، و " ترك " بمعنى طرح وخلى، قالوا: تركه ترك الظبي ظله، فإذا ضمن معنى " صير " تعدى إلى مفعولين وجرى مجرى أفعال القلوب، نحو قول عنترة (2):
فتركته جزر السباع ينشنه * يقضمن حسن بنانه والمعصم (3) والمراد بالإضاءة انتفاع المنافقين بالكلمة المجراة على ألسنتهم، ووراء استضاءتهم بنور هذه الكلمة ظلمة النفاق الذي ترمي بهم إلى ظلمة سخط الله والعقاب الدائم، ويجوز أن يكون قد شبه اطلاع الله على أسرارهم بذهاب الله بنورهم. ووجه آخر: وهو أنهم لما وصفوا باشتراء الضلالة بالهدى عقب ذلك بهذا التمثيل، ليمثل هداهم الذي باعوه بالنار المضيئة ما حول المستوقد، والضلالة التي اشتروها بذهاب الله بنورهم.
سورة البقرة / 19 * (صم بكم عمى فهم لا يرجعون) * (18) كانت حواسهم صحيحة لكنهم لما أبوا أن يصيخوا (4) مسامعهم إلى الحق، وأن

(١) يوسف: ١٥.
(٢) هو عنترة بن شداد بن عمرو بن معاوية بن قراد العبسي، أشهر فرسان العرب في الجاهلية، ومن شعراء الطبقة الأولى، من أهل نجد، أمه حبشية اسمها: زبيدة، سرى إليه السواد منها، وكان من أحسن العرب شيمة ومن أعزهم نفسا، يوصف بالحلم على شدة بطشه، وفي شعره رقة وعذوبة، اجتمع في شبابه بامرئ القيس الشاعر، وشهد حرب داحس والغبراء وعاش طويلا، قتل نحو سنة ٢٢ قبل الهجرة. (الشعر والشعراء لابن قتيبة: ص ١٣٠، والأغاني: ج ٨ ص ٢٤٠، وخزانة الأدب: ج ١ ص ٦٢، وشرح الشواهد: ص ١٦٤، وآداب اللغة: ج ١ ص ١١٧).
(٣) راجع ديوانه: ص ٦٤، وخزانة الأدب: ج ٩ ص ١٦٥. أي: فتركته قتيلا تنهشه السباع والوحوش وتقتضم أصابعه وزنديه.
(4) أصاخ له: استمع. (القاموس المحيط: مادة صاخ).
(٧٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 73 74 75 76 77 78 79 80 81 82 83 ... » »»