تفسير جوامع الجامع - الشيخ الطبرسي - ج ١ - الصفحة ٦٠٢
لأن الولادة من صفات الأجسام وصانع الأجسام ليس بجسم حتى يكون والدا، ولأن الولادة لا تكون إلا بين زوجين ولا يصح أن يكون له صاحبة تزاوجه * (وخلق كل شئ وهو بكل شئ عليم) * ومن كان بهذه الصفة فهو غني عن كل شئ * (ذلكم) * إشارة إلى الموصوف بالصفات المتقدمة، وهو مبتدأ وما بعده أخبار مترادفة له، وهي: * (الله) *، * (ربكم) *، * (لا إله إلا هو) *، * (خلق كل شئ) * أي: ذلكم الجامع لهذه الصفات * (فاعبدوه) * لأن من استجمعت له هذه الصفات حقت له العبادة * (وهو على كل شئ وكيل) * أي: حفيظ مدبر، ولكل شئ من الأرزاق والآجال مالك * (لا تدركه الابصار) * البصر: الجوهر اللطيف الذي به تدرك المبصرات، والمعنى: أنه متعال أن يكون مبصرا في ذاته، فالأبصار سورة الأنعام / 104 - 105 لا تدركه، لأنها إنما تدرك ما كان في جهة أصلا أو تابعا كالأجسام والألوان * (وهو يدرك الابصار) * وهو للطف إدراكه للمدركات يدرك تلك الجواهر اللطيفة التي ركبها الله في حاسة النظر وهي الأبصار ولا يدركها مدرك سواه * (وهو اللطيف) * يلطف عن أن تدركه الأبصار * (الخبير) * بكل لطيف، فهو يدرك الأبصار ولا تلطف عن إدراكه، وهذا من باب اللف والنشر، وروي عن الرضا (عليه السلام): أنها الأبصار التي في القلوب (1)، أي: لا يقع عليه الأوهام ولا يدرك كيف هو (2).

(١) المنسوب إلى الإمام الرضا (عليه السلام): ص ٣٨٤ تفسير العياشي: ج ١ ص ٣٧٣ ح ٧٩.
(٢) قال الزجاج: أعلم عز وجل أنه يدرك الأبصار، وفي هذا الإعلام دليل أن خلقه لا يدركون الأبصار، أي لا يعرفون كيف حقيقة البصر، وما الشئ الذي صار به الانسان يبصر بعينيه دون أن يبصر من غيرهما من سائر أعضائه... إلى أن قال: فأما ما جاء من الأخبار في الرؤية وصح عن رسول الله فغير مدفوع. وليس في هذه الآية دليل على دفعه، لأن معنى هذه الآية معنى إدراك الشئ والإحاطة بحقيقته، وهذا مذهب أهل السنة والعلم والحديث.
وقال الشيخ الطوسي (قدس سره): في هذه الآية دلالة واضحة على أنه تعالى لا يرى بالأبصار، لأنه تمدح بنفي الإدراك عن نفسه، وكلما كان نفيه مدحا غير متفضل به فاثباته لا يكون إلا نقصا، والنقص لا يليق به تعالى... إلى آخر قوله الشريف وبحثه الغني اللطيف راجع معاني القرآن: ج ٢ ص ٢٧٨ - ٢٧٩، والتبيان: ج ٤ ص ٢٢٣ - 225.
(٦٠٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 597 598 599 600 601 602 603 604 605 606 607 ... » »»