الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٤ - الصفحة ٧٧
صدقات فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الله ورسوله والله خبير بما تعملون. ألم تر إلى الذين تولوا قوما غضب الله عليهم ما هم منكم ولا منهم ويحلفون على الكذب وهم يعلمون. أعد الله لهم عذابا شديدا إنهم ساء ما كانوا يعملون. اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله فلهم عذاب مهين. لن تغنى عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون. يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شئ
____________________
تكرهونه، وأن الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء (فإذ لم تفعلوا) ما أمرتم وشق عليكم (وتاب الله عليكم) وعذركم ورخص لكم في أن لا تفعلوه فلا تفرطوا في الصلاة والزكاة وسائر الطاعات (بما تعملون) قرئ بالتاء والياء، كان المنافقون يتولون اليهود وهم الذين غضب الله عليهم في قوله تعالى - من لعنه الله وغضب عليه - ويناصحونهم وينقلون إليهم أسرار المؤمنين (ما هم منكم) يا مسلمون (ولا منهم) ولا من اليهود كقوله تعالى - مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء - (ويحلفون على الكذب) أي يقولون: والله إنا لمسلمون، فيحفلون على الكذب الذي هو ادعاء الإسلام (وهم يعلمون) أن المحلوف عليه كذب بحت. فإن قلت: فما فائدة قوله وهم يعلمون؟ قلت: الكذب أن يكون الخبر لا على وفاق المخبر عنه سواء علم المخبر أو لم يعلم، فالمعنى: أنهم الذين يخبرون وخبرهم خلاف ما يخبرون عنه وهم عالمون بذلك متعمدون له كمن يحلف بالغموس. وقيل كان عبد الله ابن نبتل المنافق يجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يرفع حديثه إلى اليهود، فبينا رسول الله في حجرة من حجره إذا قال لأصحابه " يدخل عليكم الآن رجل قلبه قلب جبار وينظر بعين شيطان، فدخل ابن نبتل وكان أزرق فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: علام تشتمني أنت وأصحابك؟ فحلف بالله ما فعل، فقال عليه الصلاة والسلام:
فعلت، فانطلق فجاء بأصحابه فحلفوا بالله ما سبوه فنزلت " (عذابا شديدا) نوعا من العذاب متفاقما (إنهم ساء ما كانوا يعملون) يعنى أنهم كانوا في الزمان الماضي المتطاول على سوء العمل مصرين عليه، أوهى حكاية ما يقال لهم في الآخرة. وقرئ إيمانهم بالكسر: أي اتخذوا أيمانهم التي حلفوا بها أو إيمانهم الذي أظهروه (جنة) أي سترة يتسترون بها من المؤمنين ومن قتلهم (فصدوا) الناس في خلال أمنهم وسلامتهم (عن سبيل الله) وكانوا يثبطون من لقوا عن الدخول في الإسلام ويضعفون أمر المسلمين عندهم. وإنما وعدهم الله العذاب المهين المخزى لكفرهم وصدهم كقوله تعالى - الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب - (من الله) من عذاب الله (شيئا) قليلا من الإغناء. روى أن رجلا منهم قال: لننصرن يوم القيامة بأنفسنا وأموالنا وأولادنا (فيحلفون) لله تعالى على أنهم مسلمون في الآخرة (كما يحلفون لكم) في الدنيا على ذلك (ويحسبون أنهم على شئ)
(٧٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 72 73 74 75 76 77 78 79 80 81 82 ... » »»