الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٤ - الصفحة ٦٥
والمصدقات وأقرضوا الله قرضا حسنا يضاعف لهم ولهم أجر كريم. والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم والذين كفورا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم. اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما وفى الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور. سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للذين آمنوا بالله ورسله ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم. ما أصاب من مصيبة
____________________
علام عطف قوله (وأقرضوا)؟ قلت: على معنى الفعل في المصدقين لأن اللام بمعنى الذين واسم الفاعل بمعنى اصدقوا كأنه قيل: إن الذين اصدقوا وأقرضوا. والقرض الحسن أن يتصدق من الطيب عن طيبة النفس وصحة النية على المستحق للصدقة. وقرئ يضعف ويضاعف بكسر العين: أي يضاعف الله. يريد أن المؤمنين بالله ورسله هم عند الله بمنزلة الصديقين والشهداء وهم الذين سبقوا إلى التصديق واستشهدوا في سبيل الله (لهم أجرهم ونورهم) أي مثل أجر الصديقين والشهداء ومثل نورهم. فإن قلت: كيف يسوى بينهم في الأجر ولابد من التفاوت؟ قلت: المعنى أن الله يعطى المؤمنين أجرهم ويضاعفه لهم بفضله حتى يساوى أجرهم مع أضعافه أجر أولئك. ويجوز أن يكون والشهداء مبتدأ ولهم أجرهم خبره. أراد أن الدنيا ليست إلا محقرات من الأمور وهى اللعب واللهو والزينة والتفاخر والتكاثر، وأما الآخرة فما هي إلا أمور عظام وهى العذاب الشديد والمغفرة ورضوان الله وشبه حال الدنيا وسرعة تقضيها مع قلة جدواها بنبات أنبته الغيث فاستوى واكتهل وأعجب به الكفار الجاحدون لنعمة الله فيما رزقهم من الغيث والنبات، فبعث عليه العاهة فهاج واصفر وصار حطاما عقوبة لهم على جحودهم كما فعل بأصحاب الجنة وصاحب الجنتين. وقيل الكفار الزراع. وقرئ مصفارا (سابقوا) سارعوا مسارعة المسابقين لأقرانهم في المضمار، إلى الجنة (عرضها كعرض السماء والأرض) قال السدى: كعرض سبع السماوات وسبع الأرضين، وذكر العرض دون الطول لأن كل ما له عرض وطول فإن عرضه أقل من طوله، فإذا وصف عرضه بالبسطة عرف أن طوله أبسط وأمد. ويجوز أن يراد بالعرض البسطة كقوله تعالى - فذو دعاء عريض - لما حقر الدنيا وصغر أمرها وعظم أمر الآخرة بعث عباده على المسارعة إلى نيل ما وعد من ذلك وهى المغفرة المنجية من العذاب الشديد والفوز بدخول الجنة (ذلك) الموعود من المغفرة والجنة (فضل الله) عطاؤه (يؤتيه من يشاء وهم المؤمنون. المصيبة في الأرض نحو الجدب وآقات الزروع والثمار، وفى الأنفس نحو الأدواء والموت
(٦٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 60 61 62 63 64 65 66 67 68 69 70 ... » »»