الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٤ - الصفحة ٥٨
أأنتم أنشأتم شجرتها أم نحن المنشئون. نحن جعلناها تذكرة ومتاعا للمقوين فسبح باسم ربك العظيم. فلا أقسم بمواقع النجوم. وإنه لقسم لو تعلمون عظيم. إنه لقرآن كريم.
____________________
تقدحونها وتستخرجونها من الزناد، والعرب تقدح بعودين تحك أحدهما على الآخر، ويسمون الأعلى الزند والأسفل الزندة شبهوهما بالفحل والطروقة (شجرتها) إلى منها الزناد (تذكرة) تذكيرا لنار جهنم حيث علقنا بها أسباب المعايش كلها وعممنا بالحاجة إليها البلوى لتكون حاضرة للناس ينظرون إليها ويذكرون ما أوعدوا به، أو جعلناها تذكرة وأنموذجا من جهنم لما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " ناركم هذه التي يوقد بنو آدم جزء من سبعين جزءا من حر جهنم " (ومتاعا) ومنفعة (للمقوين) للذين ينزلون القواء وهى القفر، أو للذين خلت بطونهم أو مزاودهم من الطعام يقال أقويت من أيام: أي لم آكل شيئا (فسبح باسم ربك) فأحدث التسبيح بذكر اسم ربك أو أراد بالاسم الذكر: أي بذكر ربك و (العظيم) صفة للمضاف أو للمضاف إليه، والمعنى أنه لما ذكر ما دل على قدرته وإنعامه على عباده قال فأحدث التسبيح وهو أن يقول سبحان الله: إما تنزيها له عما يقول الظالمون الذين يجحدون وحدانيته ويكفرون نعمته، وإما تعجبا من أمرهم في غمط آلائه وأياديه الظاهرة، وإما شكر الله على النعم التي عدها ونبه عليها (فلا أقسم) معناه فأقسم ولا مزيدة مؤكدة مثلها في قوله - لئلا يعلم أهل الكتاب - وقرأ الحسن فلأقسم ومعناه فلأنا أقسم، اللام لام الابتداء دخلت على جملة من مبتدأ وخبر وهى أنا أقسم كقولك لزيد منطلق ثم حذف المبتدأ، ولا يصح أن تكون اللام لام القسم لأمرين: أحدهما أن حقها أن يقرن بها النون المؤكدة والإخلال بها ضعيف قبيح. والثاني أن لأفعلن في جواب القسم للاستقبال وفعل القسم يجب أن يكون للحال (بمواقع النجوم) بمساقطها ومغاربها، ولعل الله تعالى في آخر الليل إذا انحطت النجوم إلى المغرب أفعالا مخصوصة عظيمة، أو للملائكة عبادات موصوفة، أو لأنه وقت قيام المتهجدين والمبتهلين إليه من عباده الصالحين ونزول الرحمة والرضوان عليهم، فلذلك أقسم بمواقعها واستعظم ذلك بقوله (وإنه لقسم لو تعلمون عظيم) أو أراد بمواقعها منازلها ومسايرها، وله تعالى في ذلك من الدليل على عظيم القدرة والحكمة مالا يحيط به الوصف، وقوله - وإنه لقسم لو تعلمون عظيم - اعتراض في اعتراض لأنه اعترض به بين المقسم والمقسم عليه وهو قوله (إنه لقرآن كريم)
(٥٨)
مفاتيح البحث: الكرم، الكرامة (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 ... » »»