الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٤ - الصفحة ٢٧١
كلا إن الإنسان ليطغى. أن رآه استغنى. إن إلى ربك الرجعي. أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى. أرأيت إن كان على الهدى. أو أمر بالتقوى. أرأيت إن كذب وتولى.
ألم يعلم بأن الله يرى. كلا لئن لم ينته
____________________
إلا بالكتابة، ولولا هي لما استقامت أمور الدين والدنيا، ولو لم يكن على دقيق حكمة الله ولطيف تدبيره دليل إلا أمر القلم والخط لكفى به، ولبعضهم في صفة القلم:
ورواقم رقش كمثل أراقم * قطف الخطأ نيالة أقصى المدى سود القوائم ما يجد مسيرها * إلا إذا لعبت بها بيض المدى وقرأ ابن الزبير علم الخط بالقلم (كلا) ردع لمن كفر بنعمة الله عليه بطغيانه وإن لم يذكر لدلالة الكلام عليه (أن رآه) أن رأى نفسه، يقال في أفعال القلوب رأيتني وعلمتني وذلك بعض خصائصها، ومعنى الرؤية العلم، ولو كانت بمعنى الإبصار لامتنع في فعلها الجمع بين الضميرين، و (استغنى) هو المفعول الثاني (إن إلى ربك الرجعي) واقع على طريقة الالتفات إلى الإنسان تهديدا له وتحذيرا من عاقبة الطغيان والرجعي مصدر كالبشرى بمعنى الرجوع. وقيل نزلت في أبي جهم وكذلك (أرأيت الذي ينهى) وروي " أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أتزعم أن من استغنى طغى فاجعل لنا جبال مكة فضة وذهبا لعلنا نأخذ منها فنطغى فندع ديننا ونتبع دينك، فنزل جبريل فقال: إن شئت فعلنا ذلك، ثم إن لم يؤمنوا فعلنا بهم ما فعلنا بأصحاب المائدة، فكف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدعاء إبقاء عليهم " وروي عنه لعنه الله أنه قال: هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم؟ قالوا:
نعم، قال: فوالذي يحلف به لئن رأيته توطأت عنقه، فجاءه ثم نكص على عقبيه فقالوا له: ما لك يا أبا الحكم، فقال: إن بيني وبينه لخندقا من نار وهولا وأجنحة، فنزلت - أرأيت الذي ينهى - ومعناه أخبرني عمن ينهى بعض عباد الله عن صلاته، إن كان ذلك الناهي على طريقة سديدة فيما ينهى عنه من عبادة الله، أو كان آمرا بالمعروف والتقوى فيما يأمر به من عبادة الأوثان كما يعتقد، وكذلك إن كان على التكذيب للحق والتولي عن الدين الصحيح كما نقول نحن (ألم يعلم بأن الله يرى) ويطلع على أحواله من هداه وضلاله فيجازيه على حسب ذلك وهذا وعيد.
فإن قلت: ما متعلق أرأيت؟ قلت: الذي ينهى مع الجملة الشرطية وهما في موضع المفعولين. فإن قلت: فأين جواب الشرط؟ قلت: هو محذوف تقديره: إن كان على الهدى أو أمر بالتقوى ألم يعلم بأن الله يرى، وإنما حذف لدلالة ذكره في جواب الشرط الثاني. فإن قلت: فكيف صح أن يكون ألم يعلم جوابا للشرط؟ قلت: كما صح في قولك إن أكرمتك أتكرمني، وإن أحسن إليك زيد هل تحسن إليه؟ فإن قلت: فما أرأيت الثانية وتوسطها بين مفعول أرأيت؟ قلت: هي زائدة مكررة للتوكيد. وعن الحسن أنه أمية بن خلف كان ينهى سلمان عن الصلاة (كلا) ردع لأبي جهل وخسوء له عن نهيه عن عبادة الله تعالى وأمره بعبادة اللات ثم قال (لئن لم ينته) عما هو فيه
(٢٧١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 266 267 268 269 270 271 272 273 274 275 276 ... » »»