الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٤٢٦
مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم وما الله يريد ظلما للعباد * ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد * يوم تولون مدبرين ما لكم من الله من عاصم ومن يضلل الله فما له من هاد * ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات فما زلتم في شك مما جاءكم به حتى إذا هلك قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا
____________________
أضافه إلى الأحزاب وفسرهم بقوم نوح وعاد وثمود ولم يلبس أن كل حزب منهم كان له يوم دمار اقتصر على الواحد من الجمع لأن المضاف إليه أغنى عن ذلك كقوله * كلوا في بعض بطنكم تعفوا * وقال الزجاج: مثل يوم حزب حزب. ودأب هؤلاء دؤوبهم في عملهم من الكفر والتكذيب وسائر المعاصي، وكون ذلك دائبا دائما منهم لا يفترون عنه ولابد من حذف مضاف يريد مثل جزاء دأبهم. فإن قلت: بم انتصب مثل الثاني؟ قلت:
بأنه عطف بيان لمثل الأول لأن آخر ما تناولته الإضافة قوم نوح، ولو قلت: أهلك الله الأحزاب قوم نوح وعاد وثمود، لم يكن إلا عطف بيان لإضافة قوم إلى أعلام، فسرى ذلك الحكم إلى أول ما تناولته الإضافة (وما الله يريد ظلما للعباد) يعنى أن تدميرهم كان عدلا وقسطا لأنهم استوجبوه بأعمالهم وهو أبلغ من قوله تعالى - وما ربك بظلام للعبيد - حيث جعل المنفى إرادة الظلم، لأن من كان عن إرادة الظلم بعيدا كان عن الظلم أبعد، وحيث نكر الظلم كأنه نفى أن يريد ظلما ما لعباده. ويجوز أن يكون معناه كمعنى قوله تعالى - ولا يرضى لعباده الكفر - أي لا يريد لهم أن يظلموا: يعنى أنه دمرهم لأنهم كانوا ظالمين. التنادي: ما حكى الله تعالى في سورة الأعراف من قوله - ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار - ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة - ويجوز أن يكون تصايحهم بالويل والثبور. وقرئ بالتشديد وهو أن يند بعضهم من بعض كقوله تعالى - يوم يفر المرء من أخيه - وعن الضحاك: إذا سمعوا زفير النار ندوا هربا فلا يأتون قطرا من الأقطار إلا وجدوا ملائكة صفوفا، فبينا هم يموج بعضهم في بعض إذ سمعوا مناديا أقبلوا إلى الحساب (تولون مدبرين) عن قتادة: منصرفين عن موقف الحساب إلى النار. وعن مجاهد: فارين عن النار غير معجزين. هو يوسف بن يعقوب عليهما السلام، وقيل هو يوسف بن إبراهيم بن يوسف بن يعقوب أقام فيهم نبيا عشرين سنة، وقيل إن فرعون موسى هو فرعون يوسف عمر إلى زمنه، وقيل هو فرعون آخر وبخهم بأن يوسف أتاكم بالمعجزات فشككتم فيها ولم تزالوا شاكين كافرين (حتى إذا) قبض (قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا) حكما من عند أنفسكم من غير برهان وتقدمة عزم منكم على تكذيب الرسل، فإذا
(٤٢٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 421 422 423 424 425 426 427 428 429 430 431 ... » »»