الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٣٨٨
* خلقكم من نفس واحدة ثم جعل منها زوجها وأنزل لكم من الانعام ثمانية أزواج يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق في ظلمات ثلاث ذلكم الله ربكم له الملك لا إله إلا هو فأنى تصرفون * إن تكفروا فإن الله غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر وإن تشكروا يرضه لكم ولا تزر وازرة وزر أخرى ثم إلى ربكم
____________________
يعاجلهم بالعقوبة وهو يحلم عنهم ويؤخرهم إلى مسمى فسمى الحلم عنهم مغفرة. فإن قلت: ما وجه قوله (ثم جعل منها زوجها) وما يعطيه من معنى التراخي؟ قلت: هما آيتان من جملة الآيات التي عددها دالا على وحدانيته وقدرته تشعيب هذا الخلق الفائت للحصر من نفس آدم وخلق حواء ن قصيراه، إلا أن إحداهما جعلها الله عادة مستمرة والأخرى لم تجر بها العادة ولم تخلق أنثى غير حواء من قصيري رجل، فكانت أدخل في كونها آية وأجلب لعجب السامع، فعطفها بثم على الآية الأولى للدلالة على مباينتها لها فضلا ومزية وتراخيها عنها فيما يرجع إلى زيادة كونها آية، فهو من التراخي في الحال والمنزلة لا من التراخي في الوجود. وقيل ثم متعلق بمعنى واحدة كأنه قيل:
خلقكم من نفس وحدت ثم شفعها الله بزوج. وقيل أخرج ذرية آدم من ظهره كالذر ثم خلق بعد ذلك حواء (وأنزل لكم) وقضى لكم وقسم، لأن قضاياه وقسمه موصوفة بالنزول من السماء حيث كتب في اللوح كل كائن يكون. وقيل لا تعيش الأنعام إلا بالنبات والنبات لا يقوم إلا بالماء وقد أنزل الماء فكأنه أنزلها، وقيل خلقها في الجنة ثم أنزلها (ثمانية أزواج) ذكرا وأنثى من الإبل والبقر والضأن والمعز، والزوج اسم لواحد معه آخر فإذا انفرد فهو فرد ووتر قال الله تعالى - فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى - (خلقا من بعد خلق) حيوانا سويا من بعد عظام مكسوة لحما من بعد عظام عارية من بعد مضغ من بعد علق من بعد نطف. والظلمات الثلاث: البطن والرحم والمشيمة وقيل الصلب والرحم والبطن (ذلكم) الذي هذه أفعاله هو (الله ربكم، فأنى تسرفون) فكيف يعدل بكم عن عبادته إلى عبادة غيره (فإن الله غنى عنكم) عن إيمانكم وإنكم لمحتاجون إليه لاستضراركم بالكفر واستنفاعكم بالإيمان (ولا يرضى لعباده الكفر) رحمة لهم لأنه يوقعهم في الهلكة (وإن تشكروا يرضه لكم) أي يرض الشكر لكم لأنه سبب
(٣٨٨)
مفاتيح البحث: الزوج، الزواج (2)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 383 384 385 386 387 388 389 390 391 392 393 ... » »»