الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٣٦٠
* وعجبوا أن جاءهم منذر منهم وقال الكافرون هذا ساحر كذاب * أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشئ عجاب وانطلق الملا منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم إن هذا لشئ يراد
____________________
(منذر منهم) رسول من أنفسهم (وقال الكافرون) ولم يقل وقالوا إظهارا للغضب عليهم ودلالة على أن هذا القول لا يجسر عليه إلا الكافرون المتوغلون في الكفر المنهمكون في الغى الذين قال فيهم - أولئك هم الكافرون حقا - وهل ترى كفرا أعظم وجهلا أبلغ من أن يسموا من صدقه الله بوحيه كاذبا ويتعجبوا من التوحيد وهو الحق الذي لا يصح غيره، ولا يتعجبوا من الشرك وهو الباطل الذي لاوجه لصحته. روى أن إسلام عمر رضى الله تعالى عنه فرح به المؤمنون فرحا شديدا وشق على قريش وبلغ منهم، فاجتمع خمسة وعشرون نفسا من صناديدهم ومشوا إلى أبى طالب وقالوا: أنت شيخنا وكبيرنا وقد علمت ما فعل هؤلاء السفهاء، يريدون الذين دخلوا في الإسلام وجئناك لتقضى بيننا وبين ابن أخيك، فاستحضر أبو طالب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: يا ابن أخي هؤلاء قومك يسألونك السؤال فلا تمل كل الميل على قومك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ماذا يسألونني؟
قالوا: ارفضنا وارفض ذكر آلهتنا وندعك وإلهك، فقال عليه الصلاة والسلام: أرأيتم إن أعطيتكم ما سألتم أمعطى أنتم كلمة واحدة تملكون بها العرب وتدين لكم بها العجم؟ فقالوا: نعم وعشرا: أي نعطيكها وعشر كلمات معها. فقال قولوا: لا إله إلا الله، فقاموا وقالوا (أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشئ عجاب) أي بليغ في العجب. وقرئ عجاب بالتشديد كقوله تعالى - مكرا كبارا - وهو أبلغ من المخفف ونظيره كريم وكرام وكرام، وقوله - أجعل الآلهة إلها واحدا - مثل قوله - وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا - في أن معنى الجعل التصيير في القول على سبيل الدعوى والزعم كأنه قال: أجعل الجماعة واحدا في قوله لأن ذلك في الفعل محال (الملأ) أشراف قريش، يريد وانطلقوا عن مجلس أبى طالب بعدما بكتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجواب العتيد قائلين بعضهم لبعض (امشوا واصبروا) فلا حيلة لكم في دفع أمر محمد (إن هذا) الأمر (لشئ يراد) أي يريده الله تعالى ويحكم بإمضائه وما أراد الله كونه فلا مرد له ولا ينفع فيه إلا الصبر. أو إن هذا الأمر لشئ من نوائب الدهر يراد بنا فلا انفكاك لنا منه، أو إن دينكم لشئ يراد: أي يطلب ليؤخذ عنكم وتغلبوا عليه. وأن بمعنى أي لأن المنطلقين عن مجلس التقاول لابد لهم من أن يتكلموا ويتفاوضوا فيما جرى لهم فكان انطلاقهم مضمنا معنى القول: ويجوز أن يراد بالانطلاق الاندفاع في القول وأنهم قالوا امشوا: أب أكثروا واجتمعوا من مشت المرأة إذا كثرت ولادتها، ومنه الماشية للتفاؤل كما قيل لها الفاشية. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ضموا فواشيكم " ومعنى واصبروا على آلهتكم: واصبروا على عبادتها والتمسك بها حتى لا تزالوا عنها. وقرئ وانطلق الملأ منهم
(٣٦٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 355 356 357 358 359 360 361 362 363 364 365 ... » »»