الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٣١٦
* وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون * وسواء عليهم أنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون * إنما تنذر من اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب فبشره بمغفرة وأجر كريم * إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا
____________________
والمقمح: الذي يرفع رأسه ويغض بصره، يقال قمح البعير فهو قامح: إذا روى فرفع رأسه، ومنه شهرا قماح لان الإبل ترفع رؤوسها عن الماء لبرده فيهما وهما الكانونان، ومنه اقتمحت السويق. فإن قلت: فما قولك فيمن جعل الضمير للأيدي وزعم أن الغل لما كان جامعا لليد والعنق وبذلك يسمى جامعة كان ذكر الأعناق دالا على ذكر الأيدي؟ قلت: الوجه ما ذكرت لك والدليل عليه قوله - فهم مقمحون - ألا ترى كيف جعل الاقماح نتيجة قوله - فهي إلى الأذقان - ولو كان الضمير للأيدي لم يكن معنى التسبب في الاقماح ظاهرا، على أن هذا الاضمار فيه ضرب من التعسف وترك الظاهر الذي يدعوه المعنى إلى نفسه إلى الباطن الذي يجفو عنه ترك للحق الأبلج إلى الباطل اللجلج. فإن قلت: فقد قرأ ابن عباس رضي الله عنهما في أيديهم وابن مسعود في أيمانهم فهل تجوز على هاتين القراءتين أن تجعل الضمير للأيدي أو للايمان؟ قلت: يأبى ذلك وإن ذهب الاضمار المتعسف ظهور كون الضمير للاغلال وسداد المعنى عليه كما ذكرت. وقرئ سدا بالفتح والضم. وقيل ما كان من عمل الناس فبالفتح، ومان من خلق الله فبالضم (فأغشيناهم) فأغشينا أبصارهم: أي غطيناها وجعلنا عليها غشاوة عن أن تطمح إلى مرئي. وعن مجاهد: فأغشيناهم فألبسنا أبصارهم غشاوة. وقرئ بالعين من العشاء. وقيل نزلت في نبي مخزوم، وذلك أن أبا جهل حلف لئن رأى محمدا يصلي ليرضخن رأسه، فأتاه وهو يصلي ومعه حجر ليدمغه به، فلما رفع يده أثبتت إلى عنقه ولزق الحجر بيده حتى فكوه عنها بجهد، فرجع إلى قومه فأخبرهم، فقال مخزومي آخر: أنا أقتله بهذا الحجر، فذهب فأعمى الله عينيه. فإن قلت: قد ذكر ما دل على انتفاء إيمانهم مع ثبوت الانذار ثم قفاه بقوله - إنما تنذر - وإنما كانت تصح هذه التقفية لو كان الانذار منفيا. قلت: هو كما قلت: ولكن لما كان ذلك نفيا للايمان مع وجود الانذار وكان معناه أن البغية المرومة بالانذار غير حاصلة وهي الايمان، قفى بقوله إنما تنذر على معنى إنما تحصل البغية بإنذارك من غير هؤلاء المنذرين وهم المتبعون لذكر وهو القرآن أو الوعظ الخاشون ربهم (نحيي الموتى) نبعثهم بعد مماتهم. وعن الحسن: إحياؤهم أن يخرجهم من الشرك إلى الايمان أو الوعظ الخاشون ربهم (نحيي الموتى) نبعثهم بعد مماتهم. وعن الحسن: إحياؤهم أن يخرجهم من الشرك إلى الايمان (ونكتب ما) أسلفوا من الأعمال الصالحة وغيرها وما هلكوا عنه من أثر حسن كعلم علموه أو كتاب صنفوه أو حبيس حبسوه أو بناء بنوه من مسجد أو رباط أو قنطرة أو نحو ذلك، أو سيئ كوظيفة وظفها الظلام على
(٣١٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 311 312 313 314 315 316 317 318 319 320 321 ... » »»