الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٧٦
فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة، إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون. يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين. قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق، قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة لهم يوم القيامة، كذلك
____________________
عليهم في إنكارهم الإعادة بابتداء الخلق، والمعنى: أنه يعيدكم فيجازيكم في أعمالكم فأخلصوا له العبادة (فريقا هدى) وهم الذين أسلموا: أي وفقهم للإيمان (وفريقا حق عليهم الضلالة) أي كلمة الضلالة وعلم الله أنهم يضلون ولا يهتدون، وانتصاب قوله وفريقا بفعل مضمر يفسره ما بعده كأنه قيل: وخذل فريقا حق عليهم الضلالة (إنهم) إن الفريق الذي حق عليهم الضلالة (اتخذوا الشياطين أولياء) أي تولوهم بالطاعة فيما أمروهم به، وهذا دليل على أن علم الله لا أثر له في ضلالهم، وأنهم هم الضالون باختيارهم وتوليهم الشياطين دون الله (خذوا زينتكم) أي ريشكم ولباس زينتكم (عند كل مسجد) كما صليتم أو طفتم، وكانوا يطوفون عراة. وعن طاوس لم يأمرهم بالحرير والديباج، وإنما كان أحدهم يطوف عريانا ويدع ثيابه وراء المسجد، وإن طاف وهي عليه ضرب وانتزعت عنه لأنهم قالوا: لا نعبد الله في ثياب أذنبنا فيها، وقيل تفاؤلا: ليتعروا من الذنوب كما تعروا من الثياب. وقيل الزينة المشط، وقيل الطيب، والسنة أن يأخذ الرجل أحسن هيئته للصلاة. وكان بنو عامر في أيام حجهم لا يأكلون الطعام إلا قوتا ولا يأكلون دسما، يعظمون بذلك حجهم، فقال المسلمون: فإنا أحق أن نفعل، فقيل لهم (وكلوا واشربوا ولا تسرفوا) وعن ابن عباس رضي الله عنه: كل ما شئت والبس ما شئت، ما أخطأتك خصلتان سرف ومخيلة. ويحكى أن الرشيد كان له طبيب نصراني حاذق، فقال لعلي بن الحسين بن واقد: ليس في كتابكم من علم الطب شئ. العلم علمان: علم الأبدان، وعلم الأديان، فقال له: قد جمع الله الطب كله في نصف آية من كتابه، قال: وما هي؟ قال قوله تعالى - وكلوا واشربوا ولا تسرفوا - فقال النصراني:
ولا يؤثر من رسولكم شئ في الطب، فقال: قد جمع رسولنا صلى الله عليه وسلم الطب في ألفاظ يسيرة، قال:
وما هي؟ قال قوله " المعدة بيت الداء، والحمية رأس الدواء، واعط كل بدن ما عودته " فقال النصراني:
ما ترك كتابكم ولا نبيكم لجالينوس طبا (زينة الله) من الثياب وكل ما يتجمل به (والطيبات من الرزق) المستلذات من المآكل والمشارب، ومعنى الاستفهام في من إنكار تحريم هذه الأشياء، قيل كانوا إذا أحرموا حرموا الشاة وما يخرج منها من لحمها وشحمها ولبنها (قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا) غير خالصة لهم لأن المشركين شركاؤهم فيها (خالصة) لهم (يوم القيامة) لا يشركهم فيها أحد. فإن قلت: هلا قيل هي للذين آمنوا ولغيرهم؟ قلت:
لينبه على أنها خلقت للذين آمنوا على طريق الأصالة وأن الكفرة تبع لهم كقوله تعالى - ومن كفر فأمتعه قليلا ثم
(٧٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 71 72 73 74 75 76 77 78 79 80 81 ... » »»