الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٥٨٣
وأنا ربكم فاعبدون. وتقطعوا أمرهم بينهم كل إلينا راجعون. فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه وإنا له كاتبون. وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون. حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج
____________________
وفعلنا النفخ في مريم من جهة روحنا وهو جبريل عليه السلام لأنه نفخ في جيب درعها فوصل النفخ إلى جوفها.
فإن قلت: هلا قيل آيتين كما قال - وجعلنا الليل والنهار آيتين - قلت: لأن حالهما بمجموعهما آية واحدة وهى ولادتها إياه من غير فحل. الأمة الملة، وهذه إشارة إلى ملة الإسلام: أي إن ملة الإسلام هي ملتكم التي يجب أن تكونوا عليها لا تنحرفون عنها يشار إليها ملة واحدة غير مختلفة (وأنا) إلهكم إله واحد (فاعبدون) ونصب الحسن أمتكم على البدل من هذه ورفع أمة خبرا، وعنه رفعهما جميعا خبرين لهذه أو نوى للثاني مبتدأ والخطاب للناس كافة. والأصل وتقطعتم، إلا أن الكلام حرف إلى الغيبة على طريقة الالتفات كأنه ينعى عليهم ما أفسدوه إلى آخرين ويقبح عندهم فعلهم ويقول لهم: ألا ترون إلى عظيم ما ارتكب هؤلاء في دين الله، والمعنى: جعلوا أمر دينهم فيما بينهم قطعا كما يتوزع الجماعة الشئ ويتقسمونه فيطير لهذا نصيب ولذاك نصيب تمثيلا لاختلافهم فيه وصيرورتهم فرقا وأحزابا شتى. ثم توعدهم بأن هؤلاء الفرق المختلفة إليه يرجعون فهو محاسبهم ومجازيهم. الكفران مثل في حرمان الثواب، كما أن الشكر مثل في إعطائه إذا قيل الله شكور، وقد نفى الجنس ليكون أبلغ من أن يقول فلا نكفر سعيه (وإنا له كاتبون) أي نحن كاتبو ذلك السعي ومثبتوه في صحيفة عمله، وما نحن مثبتوه فهو غير ضائع ومثاب عليه صاحبه. أستعير الحرام للممتنع وجوده، ومنه قوله عز وجل - إن الله حرمهما على الكافرين - أي منعهما منهم وأبى أن يكونا لهم. وقرئ حرم وحرم بالفتح والكسر وحرم وحرم. ومعنى (أهلكناها) عزمنا على إهلاكها أو قدرنا إهلاكها. ومعنى الرجوع الرجوع من الكفر إلى الإسلام والإنابة، ومجاز الآية أن قوما عزم الله على إهلاكهم غير متصور أن يرجعوا وينيبوا إلى أن تقوم القيامة فحينئذ يرجعون ويقولون - يا ويلنا قد كنا قفى غفلة من هذا بل كنا ظالمين - يعنى أنهم مطبوع على قلوبهم فلا يزالون على كفرهم ويموتون عليه حتى يروا العذاب. وقرئ إنهم بالكسر وحق هذا أن يتم الكلام قبله فلا بد من تقدير محذوف كأنه قبل:
وحرام على قرية أهلكناها ذاك وهو المذكور في الآية المتقدمة من العمل الصالح والسعي المشكور غير المكفور، ثم علل فقيل إنهم لا يرجعون عن الكفر فكيف لا يمتنع ذلك، والقراءة بالفتح يصح حملها على هذا: أي لأنهم لا يرجعون ولا صلة على الوجه الأول. فإن قلت: بم تعلقت (حتى) واقعة غاية له وأية الثلاث هي؟ قلت:
هي متعلقة بحرام وهى غاية له، لأن امتناع رجوعهم لا يزول حتى تقوم القيامة وهى حتى التي يحكى بعدها الكلام والكلام المحكي الجملة من الشرط والجزاء: أعني إذا وما في حيزها. حذف المضاف إلى (يأجوج ومأجوج) وهو
(٥٨٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 577 578 579 580 581 582 583 584 585 586 587 » »»