الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٥٦٤
لا يأكلون الطعام وما كانوا خالدين. ثم صدقناهم الوعد فأنجيناهم ومن نشاء وأهلكنا المسرفين. لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم أفلا تعقلون. وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة وأنشأنا بعدها قوما آخرين. فلما أحسوا بأسنا إذا هم منها يركضون. لا تركضوا وارجعوا إلى ما أترفتم فيه ومساكنكم لعلكم تسألون.
____________________
حتى يعلموهم أن رسل الله الموحى إليهم كانوا بشرا ولم يكونوا ملائكة كما اعتقدوا، وإنما أحالهم على أولئك لأنهم كانوا يشايعون المشركين في معاداة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى - ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا - فلا يكاذبونهم فيما هم فيه ردء لرسول الله صلى الله عليه وسلم (لا يأكلون الطعام) صفة لجسدا، والمعنى: وما جعلنا الأنبياء عليهم السلام قبله ذوي جسد غير طاعمين. ووحد الجسد لإرادة الجنس كأنه قال ذوي ضرب من الأجساد، وهذا رد لقولهم: ما لهذا الرسول يأكل الطعام. فإن قلت: نعم قد رد إنكارهم أن يكون الرسول بشرا يأكل ويشرب بما ذكرت فماذا رد من قولهم بقوله (وما كانوا خالدين)؟ قلت: يحتمل أن يقولوا: إنه بشر مثلنا يعيش كما نعيش ويموت كما نموت، أو يقولوا: هلا كان ملكا لا يطعم ويخلد، إما معتقدين أن الملائكة لا يموتون أو مسمين حياتهم المتطاولة وبقاءهم الممتد خلودا (صدقناهم الوعد) مثل - واختار موسى قومه - والأصل في الوعد ومن قومه ومنه صدقوهم القتال وصدقني سن بكره (ومن نشاء) هم المؤمنون ومن في بقاءه مصلحة (ذكركم) شرفكم وصيتكم كما قال - وإنه لذكر لك ولقومك - أو موعظتكم، أو فيه مكارم الأخلاق التي كنتم تطلبون بها الثناء أو حسن الذكر كحسن الجوار والوفاء بالعهد وصدق الحديث وأداء الأمانة والسخاء وما أشبه ذلك (وكم قصمنا من قرية) واردة عن غضب شديد ومنادية على سخط عظيم، لأن القصم أفظع الكسر وهو الكسر الذي يبين تلاؤم الأجزاء بخلاف القصم، وأراد بالقرية أهلها ولذلك وصفها بالظلم وقال (قوما آخرين) لأن المعنى: أهلكنا قوما وأنشأنا قوما آخرين. وعن ابن عباس:
أنها حضور وهى وسحول قريتان باليمن تنسب إليهما الثياب. وفى الحديث " كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثوبين سحوليين ". وروى " حضوريين " بعث الله إليهم نبيا فقتلوه، فسلط الله عليهم بختنصر كما سلطه على أهل بيت المقدس فاستأصلهم. وروى أنهم لما أخذتهم السيوف ونادى مناد من السماء يا لثارات الأنبياء ندموا واعترفوا بالخطأ وذلك حين لم ينفعهم الندم، وظاهر الآية على الكثرة. ولعل ابن عباس ذكر حضور بأنها إحدى القرى التي أرادها الله بهذه الآية. فلما علموا شدة عذابنا وبطشتنا علم حس ومشاهدة لم يشكوا فيها ركضوا من ديارهم، والركض: ضرب الدابة بالرجل، ومنه قوله تعالى - اركض برجلك - فيجوز أن يركبوا دوابهم يركضونها هاربين منهزمين من قريتهم لما أدركتهم مقدمة العذاب، ويجوز أن يشبهوا في سرعة عدوهم على أرجلهم بالراكبين الراكضين لدوابهم فقيل لهم (لا تركضوا) والقول محذوف. فإن قلت: من القائل؟ قلت: يحتمل أن يكون بعض الملائكة أو من ثم من المؤمنين، أو يجعلوا خلقاء بأن يقال لهم ذلك وإن لم يقل أو يقوله رب العزة ويسمعه ملائكته لينفعهم في دينهم أو يلهمهم ذلك فيحدثوا به نفوسهم (وارجعوا إلى ما أترفتم فيه) من العيش الرأفة والحال الناعمة، والإتراف: إبطار النعمة وهى الترفه (لعلكم تسئلون) تهكم بهم وتوبيخ: أي ارجعوا إلى
(٥٦٤)
مفاتيح البحث: الطعام (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 559 560 561 562 563 564 565 566 567 568 569 ... » »»