الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٥٠٠
وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين عرضا. الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكرى وكانوا لا يستطيعون سمعا. أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء إنا أعتدنا جهنم للكافرين نزلا. قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا. الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا. أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا. ذلك جزاؤهم جهنم بما كفروا واتخذوا آياتي ورسلي هزؤا. إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا. خالدين فيها لا يبغون عنها حولا. قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربى
____________________
الشجر ومن ظفروا به ممن لم يتحصن منهم من الناس ولا يقدرون أن يأتوا مكة والمدينة وبيت المقدس، ثم يبعث الله نغفا في أقفائهم فيدخل في آذانهم فيموتون (وعرضنا جهنم) وبرزناها لهم فرأوها وشاهدوها (عن ذكرى) عن آياتي التي ينظر إليها فأذكر بالتعظيم، أو عن القرآن والتأمل معانيه وتبصرها ونحوه - صم بكم عمى - (وكانوا لا يستطيعون سمعا) يعنى وكانوا صما عنه إلا أنه أبلغ، لأن الأصم قد يستطيع السمع إذا صيح به، وهؤلاء كأنهم أصميت أسماعهم فلا استطاعة بهم للسمع (عبادي من دوني أولياء) هم الملائكة: يعنى أنهم لا يكونون لهم أولياء كما حكى عنهم - سبحانك أنت ولينا من دونهم - وقرأ ابن مسعود أفظن الذين كفروا، وقراءة علي رضي الله عنه:
أفحسب الذين كفروا: أي أفكافيهم ومحسبهم أن يتخذوهم أولياء على الابتداء والخبر، أو على الفعل والفاعل لأن اسم الفاعل إذا اعتمد على الهمزة ساوى الفعل في العمل كقولك أقائم الزيدان، والمعنى: أن ذلك لا يكفيهم ولا ينفعهم عند الله كما حسبوا، وهى قراءة محكمة جيدة. النزل ما يقام للنزيل وهو الضيف ونحوه - فبشرهم بعذاب أليم - (ضل سعيهم) ضاع وبطل وهم الرهبان، وعن علي رضي الله عنه كقوله - عاملة ناصبة -. وعن مجاهد: أهل الكتاب. وعن علي رضي الله عنه أن ابن الكوا سأله عنهم فقال: منهم أهل حروراء. وعن أبي سعيد الخدري " يأتي ناس بأعمال يوم القيامة هي عندهم في العظم كجبال تهامة، فإذا وزنوها لم تزن شيئا " (فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا) فنزدري بهم ولا يكون لهم عندنا وزن ومقدار. وقيل لا يقام لهم ميزان لأن الميزان إنما يوضع لأهل الحسنات والسيئات من الموحدين. وقرئ فلا يقيم بالياء. فإن قلت: الذين ضل سعيهم في أي محل هو؟ قلت: الأوجه أن يكون في محل الرفع على هم الذين ضل سعيهم لأنه جواب عن السؤال، ويجوز أن يكون نصبا على الذم أو جرا على البدل (جهنم) عطف بيان لقوله جزاؤهم. الحول التحول، يقال حال من مكانه حولا كقولك عادني حبها عودا: يعنى لا مزيد عليها حتى تنازعهم أنفسهم إلى أجمع لأغراضهم وأمانيهم، وهذه غاية الوصف لأن الإنسان في الدنيا في أي نعيم كان فهو طامح الطرف إلى أرفع منه، ويجوز أن يراد نفى التحول وتأكيد الخلود. المداد اسم ما تمد به الدواة من الحبر وما يمد به السراج من السليط، ويقال السماد مداد الأرض،
(٥٠٠)
مفاتيح البحث: يوم القيامة (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 495 496 497 498 499 500 501 502 503 504 505 ... » »»