الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٤٠٦
أموات غير أحياء وما يشعرون أيان يبعثون. إلهكم إله واحد فالذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرة وهم مستكبرون. لا جرم أن الله يعلم من يسرون وما يعلنون إنه لا يحب المستكبرين. وإذا قيل لهم ما ذا أنزل ربكم قالوا أساطير الأولين. ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون. قد
____________________
(أموات غير أحياء) أنهم لو كانوا آلهة على الحقيقة لكانوا أحياء غير أموات: أي غير جائز عليها الموت كالحي الذي لا يموت وأمرهم على العكس من ذلك والضمير في يبعثون للداعين: أي لا يشعرون متى تبعث عبدتهم، وفيه تهكم بالمشركين وأن آلهتهم لا يعلمون وقت بعثهم، فكيف يكون لهم وقت جزاء منهم على عبادتهم، وفيه دلالة على أنه لا بد من البعث وأنه من لوازم التكليف، ووجه آخر وهو أن يكون المعنى: أن الناس يخلقونهم بالنحت والتصوير وهم لا يقدرون على نحو ذلك فهم أعجز من عبدتهم. أموات: جمادات لا حياة فيها، غير أحياء: يعني أن من الأموات ما يعقب موته حياة كالنطف التي ينشئها الله حيوانا وأجساد الحيوان التي تبعث بعد موتها، وأما الحجارة فأموات لا يعقب موتها حياة وذلك أعرق في موتها (وما يشعرون أيان يبعثون) أي وما يعلم هؤلاء الآلهة متى تبعث الأحياء، تهكما بحالها لأن شعور الجماد محال فكيف بشعور ما لا يعلمه حي إلا الحي القيوم سبحانه. ووجه ثالث وهو أن يراد بالذين يدعون الملائكة وكان ناس منهم يعبدونهم وأنهم أموات: أي لا بد لهم من الموت. غير أحياء: غير باقية حياتهم " وما يشعرون " ولا علم لهم بوقت بعثهم. وقرئ إيان بكسر الهمزة (إلهكم وله واحد) يعني أنه قد ثبت بما تقدم من إبطال أن تكون الإلهية لغيره أنها له وحده لا شريك له فيها، فكان من نتيجة ثبات الوحدانية ووضوح دليلها استمرارهم على شركهم، وأن قلوبهم منكرة للوحدانية وهم مستكبرون عنها وعن الإقرار بها (لا جرم) حقا أن الله يعلم سرهم وعلانيتهم فيجازيهم وهو وعيد (إنه لا يحب المستكبرين) يجوز أن يريد المستكبرين عن التوحيد: يعني المشركين، ويجوز أن يعم كل مستكبر ويدخل هؤلاء تحت عمومه ما ذا منصوب بأنزل بمعنى أي شئ (أنزل ربكم) أو مرفوع بالابتداء بمعنى: أي شئ أنزله ربكم فإذا نصبت فمعنى (أساطير الأولين) ما يدعون نزوله أساطير الأولين، وإذا رفعته فالمعنى: المنزل أساطير الأولين كقوله - ما ذا ينفقون قل العفو - فيمن رفع. فإن قلت: هو كلام متناقض لأنه لا يكون منزل ربهم أساطير. قلت: هو على السخرية كقوله - إن رسولكم - وهو كلام بعضهم لبعض أو قول المسلمين لهم. وقيل هو قول المقتسمين الذين اقتسموا مداخل مكة ينفرون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سألهم وفود الحجاج عما أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا أحاديث الأولين وأباطلهم (ليحملوا أوزارهم) أي قالوا ذلك إضلالا للناس وصدا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فحملوا أوزار ضلالهم (كاملة) وبعض أوزار من ضل بضلالهم وهو وزر الإضلال، لأن المضل والضال شريكان، هذا يضله وهذا يطاوعه على إضلاله فيتحاملان الوزر، ومعنى اللام التعليل من غير أن يكون غرضا كقولك: خرجت من البلد مخافة الشر (بغير علم) حال من المفعول: أي يضلون من لا يعلم أنهم ضلال، وإنما وصف بالضلال واحتمال الوزر من أضلوه وإن لم يعلم، لأنه كان عليه أن يبحث وينظر بعقله حتى يميز بين المحق والمبطل. القواعد: أساطين البناء التي تعمده، وقيل الأساس وهذا تمثيل: يعني أنهم سووا منصوبات ليمكروا بها الله ورسوله، فجعل الله هلاكهم في تلك المنصوبات كحال
(٤٠٦)
مفاتيح البحث: يوم القيامة (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 401 402 403 404 405 406 407 408 409 410 411 ... » »»