الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٣٩٨
ولا تحزن عليهم واخفض جناحك للمؤمنين. وقل إني أنا النذير المبين. كما أنزلنا على المقتسمين. الذين جعلوا القرآن عضين.
____________________
متاع الدنيا، ومنه الحديث " ليس منا من لم يتغن بالقرآن " وحديث أبي بكر " من أوتي القرآن فرأى أن أحدا أوتي من الدنيا أفضل مما أوتي فقد صغر عظيما وعظم صغيرا " وقيل وافت من بصرى وأذرعات سبع قوافل ليهود بني قريظة والنضير فيها أنواه البز والطيب والجوهر وسائر الأمتعة، فقال المسلمون: لو كانت هذه الأموال لنا لتقوينا بها وأنفقناها في سبيل الله، فقال لهم الله عز وعلا: لقد أعطيتكم سبع آيات هي خير من هذه القوافل السبع (ولا تحزن عليهم) أي لا تتمن أموالهم ولا تحزن عليهم أنهم لم يؤمنوا فيتقوى بمكانهم الإسلام وينتعش بهم المؤمنون، وتواضع لمن معك من فقراء المؤمنين وضعفائهم وطب نفسا عن إيمان الأغنياء والأقوياء (وقل) لهم (إني أنا النذير المبين) أنذركم ببيان وبرهان أن عذاب الله نازل بكم. فإن قلت: بم تعلق قوله (كما أنزلنا)؟
قلت: فيه وجهان: أحدهما أن يتعلق بقوله ولقد آتيناك: أي أنزلنا عليك مثل ما أنزلنا على أهل الكتاب وهم المقتسمون (الذين جعلوا القرآن عضين) حيث قالوا بعنادهم وعدوانهم بعضه حق موافق للتوراة والإنجيل وبعضه باطل مخالف لهما فاقتسموه إلى حق وباطل وعضوه. وقيل كانوا يستهزئون به فيقول بعضهم سورة البقرة لي ويقول الآخر سورة آل عمران لي، ويجوز أن يراد بالقرآن ما يقرءونه من كتبهم وقد اقتسموه بتحريفهم، وبأن اليهود أقرت ببعض التوراة وكذبت ببعض، والنصارى أقرت ببعض الإنجيل وكذبت ببعض، وهذه تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن صنيع قومه بالقرآن وتكذيبهم وقولهم سحر وشعر وأساطير بأن غيرهم من الكفرة فعلوا بغيره من الكتب نحو فعلهم. والثاني أن يتعلق بقوله - وقل إني أنا النذير المبين - أي وأنذر قريشا مثل ما أنزلنا من العذاب على المقتسمين: يعني اليهود، وهو ما جرى على قريظة والنضير، جعل المتوقع بمنزلة الواقع، وهو من الإعجاز لأنه إخبار بما سيكون وقد كان، ويجوز أن يكون الذين جعلوا القرآن عضين منصوبا بالنذير: أي أنذر المعضين الذين يجزئون القرآن إلى سحر وشعر وأساطير مثل ما أنزلنا على المقتسمين، وهو الاثنا عشر الذين اقتسموا مداخل مكة أيام الموسم فقعدوا في كل مدخل متفرقين لينفروا الناس عن الإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بعضهم: لا تغتروا بالخارج منا فإنه ساحر، ويقول الآخر كذاب والآخر شاعر، فأهلكهم الله يوم بدر وقبله بآفات كالوليد بن المغيرة والعاص بن وائل والأسود بن المطلب وغيرهم، أو مثل ما أنزلنا على الرهط الذين تقاسموا على أن يبتوا صالحا عليه السلام والاقتسام بمعنى التقاسم. فإن قلت: إذا علقت قوله كما أنزلنا بقوله ولقد آتيناك، فما معنى توسط لا تمدن إلى آخره بينهما؟ قلت: لما كان ذلك تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن تكذيبهم وعدواتهم اعترض بما هو مدد لمعنى التسلية من النهي عن الالتفات إلى دنياهم والتأسف على كفرهم ومن الأمر بأن يقبل بمجامعه على المؤمنين. عضين: أجزاء جمع عضة، وأصلها عضوة فعلة من عضى الشاة إذا جعلها
(٣٩٨)
مفاتيح البحث: القرآن الكريم (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 393 394 395 396 397 398 399 400 401 402 403 ... » »»