الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٣٥١
الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد وكل شئ عنده بمقدار.
عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال. سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار.
____________________
على أن من هذه قدرته وهذا علمه هو القادر وحده على هدايتهم العالم بأي طريق يهديهم، ولا سبيل إلى ذلك لغيره (الله يعلم) يحتمل أن يكون كلاما مستأنفا، وأن يكون المعنى هو الله تفسيرا لهاد على الوجه الأخير، ثم ابتدئ فقيل (يعلم ما تحمل كل أنثى) وما في: ما تحمل وما تغيض وما تزداد إما موصولة وإما مصدرية، فإن كانت موصولة فالمعنى أنه يعلم ما تحمله من الولد على أي حال هو من ذكورة وأنوثة وتمام وخداج وحسن وقبح وطول وقصر، وغير ذلك من الأحوال الحاضرة والمترقبة، ويعلم ما تغيضه الأرحام: أي تنقصه يقال غاض الماء وغضته أنا ومنه قوله تعالى - وغيض الماء - وما تزداده: أي تأخذه زائدا، تقول أخذت منه حقي وازددت منه كذا، ومنه قوله تعالى - وازدادوا تسعا - ويقال زدته فزاد بنفسه وإزداد، وما تنقصه الرحم وتزداده عدد الولد، فإنها تشتمل على واحد وقد تشتمل على اثنين وثلاثة وأربعة، ويروى أن شريكا كان رابع أربعة في بطن أمه، ومنه جسد الولد فإنه يكون تاما ومخدجا، ومنه مدة ولادته، فإنها تكون أقل من تسعة أشهر وأزيد عليها إلى سنين عند أبي حنيفة وإلى أربع عند الشافعي وإلى خمس عند مالك. وقيل إن الضحاك ولد لسنتين، وهرم ابن حبان بقى في بطن أمه أربع سنين ولذلك سمى هرما، ومنه الدم فإنه يقل ويكثر. وإن كانت مصدرية فالمعنى: أنه يعلم حمل كل أنثى ويعلم غيض الأرحام وازديادها لا يخفى عليه شئ من ذلك ومن أوقاته وأحواله. ويحوز أن يراد غيوض ما في الأرحام وزيادته، فأسند الفعل إلى الأرحام وهو لما فيها على أن الفعلين غير متعديين، ويعضده قول الحسن:
الغيضوضة أن تضع لثمانية أشهر أو أقل من ذلك، والازدياد أن تزيد على تسعة أشهر، ومنه الغيض الذي يكون سقطا لغير تمام والازدياد ما ولد لتمام (بمقدار) بقدر واحد لا يجاوزه ولا ينقص عنه كقوله - إنا كل شئ خلقناه بقدر - (الكبير) العظيم الشأن الذي كل شئ دونه (المتعال) المستعلى على كل شئ بقدرته أو الذي كبر عن صفات المخلوقين وتعالى عنها (سارب) ذاهب في سربه بالفتح: أي في طريقه ووجهه، يقال سرب في الأرض سروبا. والمعنى: سواء عنده من استخفى: أي طلب الخفاء في مختبأ بالليل في ظلمته، ومن يضطرب في الطرقات ظاهرا بالنهار يبصره كل أحد. فإن قلت: كان حق العبارة أن يقال: ومن هو مستخف بالليل ومن هو سارب
(٣٥١)
مفاتيح البحث: الشهادة (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 346 347 348 349 350 351 352 353 354 355 356 ... » »»