الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٣٠٨
بمؤمن لنا ولو كنا صادقين. وجاءوا على قميصه بدم كذب قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون. وجاءت سيارة فأرسلوا واردهم فأدلى دلوه قال يا بشرى
____________________
وغير ذلك. والمعنى: نتسابق في العدو أو في الرمي. وجاء في التفسير ننتضل (بمؤمن لنا) بمصدق لنا (ولو كنا صادقين) ولو كنا عندك من أهل الصدق والثقة لشدة محبتك ليوسف فكيف وأنت سئ الظن بنا غير واثق بقولنا (بدم كذب) ذي كذب، أو وصف بالمصدر مبالغة كأنه نفس الكذب وعينه، كما يقال للكذب هو الكذب بعينه والزور بذاته، ونحوه: * فهن به جود وأنتم به بخل * وقرئ كذبا نصبا على الحال بمعنى جاءوا به كاذبين، ويجوز أن يكون مفعولا له. وقرأت عائشة رضي الله عنه كذب بالدال غير المعجمة: أي كدر، وقيل طري. وقال ابن جنى: أصله من الكدب وهو الفوف البياض الذي يخرج على أظفار الأحداث كأنه دم قد أثر في قميصه. روى أنهم ذبحوا سخلة ولطخوه بدمها وزل عنهم أن يمزقوه. وروى أن يعقوب لما سمع بخبر يوسف صاح بأعلى صوته وقال: أين القميص؟ فأخذه وألقاه على وجهه وبكى حتى خصب وجهه بدم القميص وقال تالله ما رأيت كاليوم ذئبا أحلم من هذا أكل ابني ولم يمزق عليه قميصه. وقيل كان في قميص يوسف ثلاث آيات: كان دليلا ليعقوب على كذبهم، وألقاه على وجهه فارتد بصيرا، ودليلا على براءة يوسف حين قد من دبر. فإن قلت: على قميصة ما محله؟ قلت: محله النصب على الظرف كأنه قيل: وجاءوا فوق قميصه بدم، كما تقول: جاء على جماله بأحمال. فإن قلت: هل يجوز أن تكون حالا متقدمة؟ قيل: لا لأن حال المجرور لا تتقدم عليه (سولت) سهلت من السول وهو الاسترخاء: أي سهلت (لكل أنفسكم أمرا) عظيما ارتكبتموه من يوسف وهونته في أعينكم، استدل على فعلهم به بما كان يعرف من حسدهم وبسلامة القميص، أو أوحى إليه بأنهم قصدوه (فصبر جميل) خبر أو مبتدأ لكونه موصوفا: أي فأمري صبر جميل أو فصبر جميل أمثل، وفى قراءة أبى فصبرا جميلا. والصبر الجميل جاء في الحديث المرفوع أنه الذي لا شكوى فيه، ومعناه: لا شكوى فيه إلى الخلق.
ألا ترى إلى قوله - إنما أشكو بثي وحزني إلى الله - وقيل لا أعايشكم على كآبة الوجه بل أكون لكم كما كنت.
وقيل سقط حاجبا يعقوب على عينيه فكان يرفعهما بعصابة، فقيل له ما هذا؟ فقال: طول الزمان وكثرة الأحزان، فأوحى الله تعالى إليه يا يعقوب أتشكوني؟ قال: يا رب خطيئة فاغفرها لي (والله المستعان) أي أستعينه (على) احتمال (ما تصفون) من هلاك يوسف والصبر على الرزء فيه (وجاءت سيارة) رفقة تسير من قبل مدين إلى مصر وذلك بعد ثلاثة أيام من القاء يوسف في الجب، فأخطأوا الطريق فنزلوا قريبا منه، وكان الجب في قفرة بعيدة من العمران لم يكن إلا للرعاة، وقيل كان ماؤه ملحا فعذب حين القى فيه يوسف (فأرسلوا) رجلا يقال له مالك بن ذعر الخزاعي ليطلب لهم الماء. والوارد إلى يرد الماء ليستقى للقوم (يا بشرى) نادى البشرى كأنه يقول تعالى فهذا من آونتك. وقرئ يا بشراى إ على. إضافتها إلى نفسه، وفى قراءة الحسن وغيره يا بشرى بالياء مكان الألف جعلت الياء بمنزلة الكسرة قبل ياء الإضافة، وهى لغة للعرب مشهورة. سمعت أهل السروات يقولون في دعائهم:
(٣٠٨)
مفاتيح البحث: الكذب، التكذيب (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 303 304 305 306 307 308 309 310 311 312 313 ... » »»