الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٢٩١
كما بعدت ثمود. ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين. إلى فرعون وملائه فاتبعوا أمر فرعون وما أمر فرعون برشيد. يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار وبئس الورد المورود. وأتبعوا في هذه لعنة ويوم القيامة بئس الرفد المرفود. ذلك من أنباء القرى نقصه عليك منها قائم وحصيد. وما ظلمناهم ولكن ظلموا
____________________
بمعنى الرشد، ألا ترى إلى قوله (كما بعدت) وقرأ السلمي بعدت بضم العين والمعنى في البناءين واحد، وهو نقيض القرب إلا أنهم أرادوا التفصلة بين البعد من جهة الهلاك وبين غيره فغيروا البناء كما فرقوا بين ضمان الخير والشر فقالوا وعد وأوعد، وقراءة السلمي جاءت على الأصل اعتبارا لمعنى البعد من غير تخصيص كما يقال ذهب فلان ومضى في معنى الموت، وقيل معناه بعدا لهم من رحمه الله كما بعدت ثمود منها (بآياتنا وسلطان مبين) فيه وجهان أن يراد أن هذه الآيات فيها سلطان مبين لموسى على صدق نبوته، وأن يراد بالسلطان المبين العصا لأنها أبهرها (وما أمر فرعون برشيد) تجهيل لمتبعيه حيث شايعوه على أمره وهو ضلال مبين لا يخفى على من فيه أدنى مسكة من العقل، وذلك أنه ادعى الإلهية وهو بشر مثلهم وجاهر بالعسف والظلم والشر الذي لا يأتي إلا من شيطان مارد، ومثله بمعزل من الإلهية ذاتا وأفعالا فاتبعوه وسلموا له دعواه وتتابعوا على طاعته. والأمر الرشيد الذي فيه رشد أي وما في أمره رشد إنما هو غي صريح وضلال ضاهر مكشوف، وإنما يتبع العقلاء من يرشدهم ويهديهم لا من يضلهم ويغويهم، وفيه أنهم عاينوا الآيات والسلطان المبين في أمر موسى عليه السلام وعلموا أن معه الرشد والحق ثم عدلوا عن اتباعه إلى اتباع من ليس في أمره رشد قط (يقدم قومه) أي كما كان قدوة لهم في الضلال كذلك يتقدمهم إلى النار وهم يتبعونه، ويجوز أن يريد بقوله - وما أمر فرعون برشيد - وما أمره بصالح حميد العاقبة ويكون قوله - يقدم قومه - تفسيرا لذلك وإيضاحا: أي كيف يرشد أمر من هذه عاقبته؟ والرشد مستعمل في كل ما يحمد ويرتضى كما استعمل الغى في كل ما يذم ويتسخط، ويقال قدمه بمعنى تقدمه، ومنه قادمة الرحل كما يقال قدمه بمعنى تقدمه، ومنه مقدمة الجيش وأقدم بمعنى تقدم، ومنه مقدم العين. فإن قلت: هلا قيل يقدم قومه فيوردهم ولم جئ بالفظ الماضي. قلت: لأن الماضي يدل على أمر موجود مقطوع به، فكأنه قيل: يقدمهم فيوردهم النار لا محالة و (الورد) المورد، و (المورود) الذي وردوه شبه بالقارط الذي يتقدم الواردة إلى الماء، وشبه أتباعه بالواردة ثم قيل بئس الورد الذي يردونه النار، لأن الورد إنما يراد لتسكين العطش وتبريد الأكباد والنار ضده (وأتبعوا في هذه) في هذه الدنيا (لعنة) أي يلعنون في الدنيا ويلعنون في الآخرة (بئس الرفد المرفود) رفدهم: أي بئس العون المعان وذلك أن اللعنة في الدنيا رفد للعذاب ومدد له، وقد رفدت بالعنة في الآخرة. وقيل بئس العطاء، المعطى (ذلك) مبتدأ (من أنباء القرى نقصه عليك) خبر بعد خبر: أي ذلك النبأ بعض أنباء القرى المهلكة مقصوص عليك (منها) الضمير للقرى: أي بعضها باق وبعضها عافى الأثر كالزرع القائم على ساقه والذي حصد.
فإن قلت: ما محل هذه الجملة؟ قلت: هي مستأنفة لا محل لها (وما ظلمناهم) بإهلاكنا إياهم (ولكن ظلموا
(٢٩١)
مفاتيح البحث: يوم القيامة (2)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 286 287 288 289 290 291 292 293 294 295 296 ... » »»