الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٢٧٦
قال إني أشهد الله واشهدوا أنى برئ مما تشركون. من دونه فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون. إني توكلت على الله ربى وربكم مامن دابة إلا هو آخذ بناصيتها
____________________
وعداوتك لها مكافأة منها على سوء فعلك بسوء الجزاء، فمن ثم تتكلم بكلام المجانين وتهذى بهذيان المبرسمين، وليس بعجب من أولئك أن يسمو التوبة والاستغفار خبلا وجنونا وهم عاد أعلام الكفر وأوتاد الشرك، وإنما العجب من قوم من المتظاهرين بالإسلام سمعناهم يسمون التائب من ذنوبه مجنونا، والمنيب إلى ربه مخبلا، ولم نجدهم معه على عشر مما كانوا عليه في أيام جاهليته من الموادة، وما ذاك إلا لعرق من الإلحاد أبى إلا أن ينبض، وضب من الزندقة أراد أن يطلع رأسه، وقد دلت أجوبتهم المتقدمة على أن القوم كانوا جفاة غلاظ الأكباد لا يبالون بالبهت ولا يلتفتون إلى النصح ولا تلين شكيمتهم للرشد، وهذا الأخير دال على جهل مفرط وبله متناه، حيث اعتقدوا في حجارة أنها تنتصر وتنتقم، ولعلهم حين أجازوا العقاب كانوا يجيزون الثواب. من أعظم الآيات أن يواجه بهذا الكلام رجل واحد أمة عطاشا إلى إراقة دمه يرمونه عن قوس واحدة، وذلك لثقته بربه وأنه يعصمه منهم فلا تنشب فيه مخالبهم، ونحو ذلك قال نوح عليه السلام لقومه - ثم اقضوا إلى ولا تنظرون - أكد براءته من آلهتهم وشركهم ووثقها بما جرت به عادة الناس من توثيقهم الأمور بشهادة الله وشهادة العباد، فيقول للرجل: الله شهيد على أنى لا أفعل كذا، ويقول لقومه: كونوا شهداء على أنى لا أفعله. فإن قلت: هلا قيل إني أشهد الله وأشهدكم؟ قلت: لأن إشهاد الله على البراءة من الشرك إشهاد صحيح ثابت في معنى تثبيت التوحيد وشد معاقدة. وأما إشهادهم فما هو إلا تهاون بدينهم ودلالة على قلة المبالاة بهم فحسب، فعدل به عن لفظ الأول لاختلاف ما بينهما وجئ به على لفظ الأمر بالشهادة كما يقول الرجل لمن يبس الثرى بينة وبينه: اشهد على أنى لا أحبك، تهكما به واستهانة بحاله (مما تشركون من دونه) من إشراككم آلهة من دونه أو مما تشركونه من آلهة من دونه أي أنتم تجعلونها شركاء له ولم يجعلها هو شركاء ولم ينزل بذلك سلطانا (فكيدوني جميعا) أنتم وآلهتكم أعجل ما تفعلون من غير انتظار، فإني لا أبالى بكم وبكيدكم ولا أخاف معرتكم وإن تعاونتم على وأنتم الأقوياء الشداد، فكيف تضرني آلهتكم وما هي إلا جماد إلا تضر ولا تنفع؟ وكيف تنتقم منى إذا نلت منها وصددت عن عبادتها بأن تخبله وتذهب بعقلي. ولما ذكر توكله على الله وثقته بحفظه وكلاءته من كيدهم وصفه بما يوجب التوكل عليه من
(٢٧٦)
مفاتيح البحث: الشهادة (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 271 272 273 274 275 276 277 278 279 280 281 ... » »»