الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٢٦٢
فاعلموا أنما أنزل بعلم الله وأن لا إله إلا هو فهل أنتم مسلمون. من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون. أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه ومن قبله كتاب موسى
____________________
ووجه آخر وهو أن يكون الخطاب للمشركين والضمير في لم يستجيبوا لمن استطعتم: يعنى فإن لم يستجب لكم من تدعونه من دون الله إلى المظاهرة على معارضته لعلمهم بالمعجز عنه وأن طاقتهم أقصر من أن تبلغه (فاعلموا أنما أنزل بعلم الله) أي أنزل ملتبسا بما لا يعلمه إلا الله من نظم معجز للخلق وإخبار بغيوب لا سبيل لهم إليه (و) اعلموا عند ذلك (أن لا إله) إلا الله وحده وأن توحيده واجب والإشراك به ظلم عظيم (فهل أنتم مسلمون) مبايعون بالإسلام بعد هذه الحجة القاطعة، وهذا وجه حسن مطرد، من جعل الخطاب للمسلمين فمعناه: فاثبتوا على العلم الذي أنتم عليه وازدادوا يقينا وثبات قدم على أنه منزل من عند الله وعلى التوحيد، ومعنى فهل أنتم مسلمون:
فهل أنتم مخلصون (نوف إليهم) نوصل إليهم أجور أعمالهم وافية كاملة من غير بخس في الدنيا وهو ما يرزقون فيها من الصحة والرزق: وقيل هم أهل الرياء، يقال لقراء منهم: أردت أن يقال فلان قارئ فقد قيل ذلك. ولمن وصل الرحم وتصدق: فعلت حتى يقال فقيل: ولمن قاتل فقتل، قاتلت حتى يقال فلان جرئ فقد قيل. وعن أنس بن مالك: هم اليهود والنصارى، إن أعطوا سائلا أو وصلوا رحما عجل لهم جزاء ذلك بتوسعة في الرزق وصحة في البدن. وقيل هم الذين جاهدوا من المنافقين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فاسهم لهم في الغنائم. وقرئ يوف بالياء على أن الفعل لله عز وجل، وتوف إليهم أعمالهم بالتاء على البناء للمفعول. وفى قراءة الحسن نوفى بالتخفيف وإثبات الياء لأن الشرط وقع ماضيا كقوله * يقول لا غائب مالي ولا حرم * (وحبط ما صنعوا فيها) وحبط في الآخرة ما صنعوه أو صنيعهم: يعنى لم يكن له ثواب لأنهم لم يريدوا به الآخرة إنما أرادوا به الدنيا وقد وفى إليهم ما أرادوا (وباطل ما كانوا يعملون) أي كان عملهم في نفسه باطلا لأنه لم يعمل لوجه صحيح والعمل الباطل لا ثواب له. وقرئ وبطل على الفعل. وعن عاصم: وباطلا بالنصب وفيه وجهان: أن تكون ما إبهاميه وينتصب بيعملون ومعناه وباطلا: أي باطل كانوا يعملون، وإن تكون بمعنى المصدر على وبطل بطلانا ما كانوا يعملون (أفمن كان على بينة) معناه: أمن كان يريد الحياة الدنيا كمن كان على بينة: أي لا يعقبونهم في المنزلة ولا يقاربونهم، يريد أن بين الفريقين تفاوتا بعيدا وتباينا بينا، وأراد بهم من آمن من اليهود كعبد الله بن سلام وغيره كان على بينة (من ربه) أي على برهان من الله وبيان أن دين الإسلام حق وهو دليل العقل (ويتلوه) ويتبع ذلك البرهان (شاهد منه) أي شاهد يشهد بصحته وهو القرآن منه من الله أو شاهد من القرآن فقد تقدم ذكره آنفا (ومن قبله) ومن قبل القرآن (كتاب موسى) وهو التوراة: أي ويتلو ذلك البرهان أيضا من قبل القرآن كتاب موسى. وقرئ كتاب موسى بالنصب ومعناه: كان على بينة من ربه، وهو الدليل على أن القرآن حق ويتلوه، ويقرأ القرآن شاهد منه شاهد ممن كان على بينة كقوله - وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله - قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم
(٢٦٢)
مفاتيح البحث: الشهادة (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 257 258 259 260 261 262 263 264 265 266 267 ... » »»