الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٢٣٧
إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون وما يتبع أكثرهم إلا ظنا إن الظن لا يغنى من الحق شيئا إن الله عليم بما يفعلون. وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين.
أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله
____________________
بفتح الهاء وكسرها مع تشديد الدال والأصل يهتدى فأدغم وفتحت الهاء بحركة التاء أو كسرت لالتقاء الساكنين، وقد كسرت الياء لاتباع ما بعدها. وقرئ إلا أن يهدى من هداه وهداه للمبالغة، ومنه قولهم تهدى، ومعناه: أن الله وحده هو الذي يهدى للحق بما ركب في المكلفين من العقول وأعطاهم من التمكين للنظر في الأدلة التي نصبها لهم وبما لطف بهم ووفقهم وألهمهم وأخطر ببالهم ووفقهم على الشرائع، فهل من شركائكم الذين جعلتم أندادا لله أحد من أشرافهم كالملائكة والمسيح وعزير يهدى إلى الحق مثل هداية الله؟ ثم قال:
أفمن يهدى إلى الحق هذه الهداية أحق بالاتباع، أم الذين لا يهدى: أي لا يهتدى بنفسه أو لا يهدى غيره إلا أن يهديه الله. وقيل معناه: أمن لا يهتدى من الأوثان إلى مكان فينتقل إليه (إلا أن يهدى) إلا أن ينقل، أو لا يهتدى ولا يصح منه الاهتداء إلا أن ينقله الله من حاله إلى أن يجعله حيوانا مكلفا فيهديه (فما لكم كيف تحكمون) بالباطل حيث تزعمون أنهم أنداد لله (وما يتبع) أكثرهم في إقرارهم بالله (إلا ظنا) لأنه قول غير مستند إلى برهان عندهم (إن الظن) في معرفة الله (لا يغنى من الحق) وهو العلم (شيئا) وقيل: وما يتبع أكثرهم في قولهم للأصنام إنها آلهة وإنها شفعاء عند الله إلا الظن، والمراد بالأكثر الجميع (إن الله عليم) وعيد على ما يفعلون من اتباع الظن وتقليد الآباء.
وقرئ تفعلوا التاء (وما كان هذا القرآن) افتراء (من دون الله ولكن) كان (تصديق الذي بين يديه) وهو ما تقدمه من الكتب المنزلة لأنه معجز دونها، فهو عيار عليها وشاهد لصحتها كقوله تعالى - هو الحق مصدقا لما بين يديه - وقرئ ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل الكتاب - على ولكن هو تصديق وتفصيل، ومعنى وما كان أن يفترى: وما صح وما استقام وكان محالا أن يكون مثله في علو أمره وإعجازه مفترى (وتفصيل الكتاب) وتبيين ما كتب وفرض من الأحكام والشرائع من قوله - كتاب الله عليكم -. فإن قلت: بم اتصل قوله (لا ريب فيه من رب العالمين)؟ قلت: هو داخل في حيز الاستدراك كأنه قال: ولكن كان تصديقا وتفصيلا منتفيا عنه الريب كائنا من رب العالمين متعلقا بتصديق وتفصيل، ويكون لا ريب فيه اعتراضا كما تقول: زيد لا شك فيه كريم (أم يقولون افتراه) بل أيقولون اختلقه على أن الهمزة تقرير لإلزام الحجة عليهم وإنكار لقولهم واستبعاد، والمعنيان متقاربان (قل) إن كان الأمر كما تزعمون (فأتوا) أنتم على وجه الافتراء (بسورة مثله) فأنتم مثلي في العربية والفصاحة، ومعنى بسورة مثله: أي شبيهة به في البلاغة وحسن النظم. وقرئ بسورة مثله على الإضافة: أي بسورة كتاب مثله (وادعوا) من دون الله (من استطعتم) من خلقه للاستعانة به على الإتيان بمثله: يعنى أن الله وحده هو القادر على أن يأتي بمثله، لا يقدر على ذلك أحد غيره فلا تستعينوه وحده، ثم استعينوا بكل من دونه
(٢٣٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 232 233 234 235 236 237 238 239 240 241 242 ... » »»