الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٢١٦
(يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أو في بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم. التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون
____________________
متمكنة، فيجوز أن يكون ذكر التقطيع تصوير الحال زوال الريبة عنها، ويجوز أن يراد حقيقة تقطيعها وما هو كائن منه بقتلهم أو في القبور أو في النار. وقرئ يقطع بالياء وتقطع بالتخفيف وتقطع بفتح التاء بمعنى تتقطع وتقطع قلوبهم على أن الخطاب للرسول: أي إلا أن تقطع أنت قلوبهم بقتلهم. وقرأ الحسن: إلى أن، وفى قراءة عبد الله: ولو قطعت قلوبهم. وعن طلحة: ولو قطعت قلوبهم على خطاب الرسول أو كل مخاطب. وقيل معناه:
إلا أن يتوبوا توبه تتقطع بها قلوبهم ندما وأسفا على تفريطهم. مثل الله إثابتهم بالجنة على بذلهم أنفسهم وأموالهم، في سبيله بالشروى. وروى تاجرهم فأغلى لهم الثمن. وعن عمر رضي الله عنه فجعل لهم الصفقتين جميعا. وعن الحسن:
أنفسا هو خلقها وأموالا هو رزقها. وروى (أن الأنصار حين بايعوه على العقبة قال عبد الله بن رواحة: أشترط لربك ولنفسك ما شئت، قال: أشترط لربى أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأشترط لنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم، قال: فإذا فعلنا ذلك فما لنا؟ قال: لكم الجنة، قالوا: ربح البيع لا نقيل ولا نستقيل). ومر برسول الله صلى الله عليه وسلم أعرابي وهو يقرؤها فقال: كلام من؟ قال: كلام الله، قال: بيع والله مربح لا نقيله ولا نستقيله، فخرج إلى الغزو فاستشهد (يقاتلون) فيه معنى الأمر كقوله - تجاهدون في سبيل الله أموالكم وأنفسكم - وقرئ فيقتلون ويقتلون على بناء الأول للفاعل والثاني للمفعول وعلى العكس (وعدا) مصدر مؤكد. أخبر بأن هذا الوعد الذي وعده للمجاهدين في سبيله وعد ثابت قد أثبته (في التوراة والإنجيل) كما أثبته في القرآن، ثم قال (ومن أوفى بعهده من الله؟) لأن إخلاف الميعاد قبيح لا يقدم عليه الكرام من الخلق مع جوازه عليهم لحاجتهم، فكيف بالغنى الذي يجوز عليه القبيح قط، ولا ترى ترغيبا في الجهاد أحسن منه وأبلغ (التائبون) رفع على المدح: أي هم التائبون: يعنى المؤمنين المذكورين، ويدل عليه قراءة عبد الله وأبى رضي الله عنهما التائبين بالياء إلى والحافظين نصبا على المدح، ويجوز أن يكون جرا صفة للمؤمنين، وجوز الزجاج أن يكون مبتدأ خبره محذوف: أي التائبون العابدون من أهل الجنة أيضا وإن لم يجاهدوا كقوله - وكلا وعد الله الحسنى - وقيل هو رفع على البدل من الضمير في يقاتلون، ويجوز أن يكون مبتدأ وخبره العابدون وما بعده خبر بعد خبر: أي التائبون من الكفر على الحقيقة الجامعون لهذه الخصال. وعن الحسن هم الذين تابوا من الشرك وتبرأوا من النفاق، و (العابدون) الذين عبدوا الله وحده وأخلصوا له العبادة وحرصوا عليها، و (السائحون) الصائمون، شبهوا بذوي السياحة في الأرض في امتناعهم من شهواتهم. وقيل هم طلبة العلم يسيحون في الأرض يطلبونه في مظانه. قيل قال صلى الله عليه وسلم لعمه أبى طالب: أنت أعظم الناس على حقا وأحسنهم عندي يدا فقل كلمة تجب لك بها شفاعتي فأبى، فقال: لا أزال أستغفر لك ما لم أنه عنه فنزلت. وقيل لما افتتح مكة سأل:
أي أبويه أحدث به عهدا، فقيل أمك آمنة، فزار قبرها بالأبواء ثم قام مستعبرا فقال: إني استأذنت ربى في زيارة قبر أمي فأذن لي، واستأذنته في الاستغفار لها فلم يأذن لي، فنزلت. وهذا أصح لأن موت أبى طالب كان قبل
(٢١٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 211 212 213 214 215 216 217 218 219 220 221 ... » »»